mercredi 1 janvier 2025

رائحة الموت 
أمي لماذا تبكين؟
كان المطر يهطل، وشعرت بألم مبرح عندما اخترق الموسى البارد حلقي. كان الدم الدافئ يتدفق على صدري وظهري. 
سمعت خطى تقترب مني. 
لقد مات، اختفوا الآن. 
وبعد يومين اكتشفت والدتي الجريمة. الصدمة جمدتها وأصابتها بشلل لا يمكن علاجه. 
ومن سريرها، توسلت إلى والدي أن يجد شخصًا يقوم بغسل الجثة قبل دفني. أريد مغسلة لابني.
هذا محرم في ديننا، رد عليها بعنف. و فوق ذلك، لم يعد لدينا إمرأة في القرية تقوم بهذا الواجب منذ وفاة عائشة. 
إذن ماذا تفعل؟ 
سنبحث عن مغسل يقوم بهذا العمل، الدين يسمح بذلك...
أستيقظت وأنا ألهث، غارق في العرق. أمسح جبهتي وباقي وجهي.

ان هذا الكابوس نفسه يتكرر منذ عدة أسابيع، منذ أن مرضت والدتي إثر حادث منزلي، وظلت تسألني: من سيغسلني قبل جنازتي؟ أود أن أقابل الله، و انا نظيفة؟ 
حاولت تفسيره؟ لا شيء ملموس اولته يبدو صحيحا بالنسبة لي؟ ربما الموت يضحك في وجهي! 
صوت أمي الآتي من وراء القبر يذهلني. هل ظننت أنك تستطيع الهروب من الموت أيها الكافر المسكين؟
لا يكتفي الموت بتعذيبي في اليقظة، بل يستمر في مطاردتي اثناء النوم. عيون أمي لا تتوقف عن تذكيري بها. اغسلني من فضلك؟ هل هذا عقاب ام تعذيب أم محنة أم أمنية؟ 
فجأة أيقظتني أمي، لا تقبلني، اغسلني أولاً حتى نكون معًا أمام الله تعالى؟ 
بقيت واقفا بجانبها أمام سريرها، ويدها اليمنى ممسكة بيدي بقوة وكأنني سأهرب وأطير بعيدا عنها. يبدو أنها لا تثق بوالدي. صوتها أصبح متنافرًا وخافتًا.
وبعد أسبوع لمستها فوجدت يديها باردة. غادرت والدتي الحياة إلى عالم آخر. قبرها. 
و غمر الذعر المنزل!  
 غسالة القرية ماتت! و من سيطهر الميتة ؟ 
علينا أن نبحث عن مغسلة في القرى المجاورة! قال الحاضرون...
ولكن بإرادة الله أنقذت جارتنا العجوز الآمنة الأمر. إنها تخطط لغسل والدتي بكل تقوى. قامت بالمهمة بكفاءة، غسلتها، جففتها، عطرتها، تمتمت بكلمات لم يفهمها أحد... 
فخلصت جسدها من الأذى، ثم لفتها بعناية بقطعة قماش بيضاء حتى تصل بسلام الى مأواها الأخير.. 
ثم دعتنا واحدًا تلو الآخر لمسامحة الميتة.
في ذلك الوقت، كان الموت متواضعا ومتحفظا. بينما اليوم متفاخر ومبهرج. إنها لا تتركنا إلى حد الهوس. ننظم حفلات لتلطيفها، وليالي علاجية لمواساة العائلة ، وأطباقًا فاخرة لاختتام أيام الفرق الثلاثة. 

 بعد وفاتها، بقيت أطارد أمنية، هروب كابوسي؟ 
وفي كل مرة تمتثل لي كشخصية مدرعة مقدسة بطيبتها المطلقة. فيتحول الكابوس إلى ضجيج. 
من المؤكد أن القرية وجدت مغسلة لتبول موتانا... لكن منزلي بقي مهجور، نوافذه محطمة وتسكنه الأشباح. 
الصورة الوحيدة التي بقت لي من امي، سؤال مائي، يدوي حتى هذه اللحظة في خاطري : اغسلني من فضلك يا ابني...
و مع سؤالها يتأجج ذاك السؤال المحرج في خاطري... يا ترى ماذا يفعل الخلق أثناء عمليات القتال إذا لم تكن هناك نساء لتنظيف الموتى والشرع يحرم على الرجال غسلها؟
بقلمي عبدالفتاح الطياري 
تونس

****ليتني عدت طفلا *** أحن إلى طفولتي أشتاق إلى نوم طفل لا يعرف للحزن سبيلا  لا يعرف للخوف  من القادم سبيلا بريئ القلب براءة الذئب من دم يو...