راقَتْني أَبْياتٌ مِنْ غَزَلِ الْعُلَماءِ طابَتْ لَها نَفْسِي، وَأَقْنَعَتْنِي بِإبْداعِ الْعُلَماءِ إذا تَغَزَّلُوا وَنَفَضُوا ما في قُلُوبِهمْ، وَهذا يُساعِدُنا عَلَى فَهْمِ غَزَلِ ابن الفارِضِ وَابْنِ الْعَرَبى وَمَنْ طَرَقَ سَبِيلَهُمُ كَالْحَلّاجِ والشِّبْلِي وَالْبُسْطامِي وَغَيْرِهِمْ.
الْأَبْياتُ لِأَدِيبٍ مِنْ عُلَماء الْأَزْهَرِ هُوَ عَبْدُ الْهادِي بْنُ رَضْوانَ الْأَبْيارِيُّ الْمُتَوَفَّى سنَةَ ١٣٠٥ هج
قَرَأْتُها في كِتابِهِ الرّائِعِ "الْمَواكِبُ الْعَلِيَّةُ" في عُلومٍ شَتَّى وَمِنْها مَسائِلُ فِقْهِيَّةٍ وَأَدَبِيَّةٍ وَنَحْوِيَّةٍ، طُبِعَ سَنَةَ ٢٠١٧م.
الْأَبياتُ مِنَ الْبَسيطِ
- اُقْطُفُ وُرُودَ خُدُودِ الْغِيدِ بِالْقُبَلِ
وَقُلْ: وَفاءٌ بِحَقٍّ لِلْهَوَى قِبَلِي
- وَاخْلَعْ عِذارَكَ فِي خالِي الْعِذارِ وَلا
تُبالِ بِالْعُذْرِ عِنْدَ الْخالِ مِنْهُ خَلِي
- وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَسْهُمٍ عَرَضَتْ
لِمَنْ تَعَرَّضَ لِلْأَلْحاظِ وَالْمُقَلِ
- مِنْ أَعْيُنٍ ما رَنَتْ إلّا رَمَتْ مُهَجًا
تَبِيتُ في وَهَجٍ مِنْها وَفي وَهَلِ
- تَحِيكُ ما غَزَلَتْ ثَوْبَ الضَّنا فَتَرَى
مِنْها الْحَماسَةَ لِلْأَلْحاظِ في الْغَزَلِ
———-
شَرْحُ ما يَحْتاجُ إلَى تَوْضِيح:
الْغِيدُ: جَمْعُ غَيْداءَ وَهِيَ الْحَسْناءُ. هذا الْقَطْفُ جاءَ وَفاءً لِحَقُّ الْهَوَى عِنْدَ القاطِفِ.
الْعِذارُ: ما تَدَلَّى مِنَ الشَّعْرِ عَلَى خَدَّيِ الصَّبِيِّ الْمُراهِقِ.
خالي الْعِذارِ: الْمَرْأَةُ.
اِخْلَعْ عِذارَكَ: مَثَلْ أَيِ ارْفَعْ حَياءَكَ.
الخالُ والْجَمْعُ خِيانُ ما يَنْبُتُ عَلى الخَدِّ مِنْ نُتُوءٍ أَسْوَدَ يَزِيدُهُ جَمالا. هذا الْخالُ قَبِّلْهُ لِأَنَّهُ لا يقْبَلُ الْعُذْرَ.
االبيتانِ الثّالِثُ والرّابِعُ في وَصْفِ الْعَيْنَيْنِ وَأَثَرِ فِعْلِهِما فِي النَّفْسِ وَهُما قِمَّةٌ فِي وَصْفِ الْعَيْنَيْنِ .
المعاني هنا مَطْروقَةٌ مِنَ كّالْأسْهُمِ وَالْفَتْكِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
الْوَهَلُ: الْفَزَعُ.
تحيكُ حِياكَةً تَخِيطُ، وَالْفاعِلُ ضَميرٌ يَعُودُ إلَ الْعينينِ ، وهنا اِستِعارَةٌ جَميلَة. تَحيكُ الْعيْنانِ ثَوْبًا يُسَبِّبُ للنّاظِرِ إلَيْهِما سَقَمًا.
الْغَزَلُ الْأَخيرةُ هِيَ شِعْرُ الْغَزَلِ الّذي يَدْفَعُ الشُّعَراءَ عَلَى النَظْمِ إذا ما شاهَدُوا جَمالَ الْعَيْنَيْنِ.