”ثيمـة الحـرب في مـرآة الفـن السريـالي“
الأعمـال الفـنـية ليوسـف الكرتيلي تتسـم بالغمـوض والخـيال الفـائق، وتكتنـف نزعـة شعـورية، ترمـز إلى القـدرة على ٱستخـراج المكنـون الفـني من الـذات نحـو عـالم اللاشعـور، وكشـف الجـوانب الغـامضة للحـواس واللاوعـي والعقـل البـاطن، لإظهـار المعـاني التي تتعـلق برسـائل الفـن السريـالي، وفلسفـاته الإنسانيـة والوجـودية معـاً.
أو بالأحـرى الروافـد المتعلقـة بتمـوجات الذهـن وهواجـسه من الوقـائع أو المشاهـد الحـية التي يتلقّـاها كصدمـات نفـسية تؤثـر على انطباعاته في الفـن.
في هذه اللوحـة يفـتح لنـا يوسـف نوافـذ الخـيال الجـامح للعقـل البـاطن، لنشاهـد تفـاصيل الواقـع المتخـيّل الذي يدفعـنا من الداخـل إلى الخـارج حيث الحلـم التحـرري، والانطلاق مع طيـر النسـر العمـلاق نحو سمـاوات مفـتوحة تتخطى المساحات اللـونية وتعـبيراتهـا العمـيقـة واقعـيا.
في مقـدمة المشهـد، يظهـر لنـا النسـر العمـلاق المكمّـم ذو الأجنحـة الواسعـة، على عنقــه سماعـة طبّيـة، يمسـك بقفـصٍ يحتجـز كـوكب الأرض.
وفي أسفـل المشهـد، تتـدلّى سيـولا من الدمـاء، بينمـا (الخلفـية الداكـنة) تثيـر الحـزن والكـآبة والإحـبـاط والقـنوط، وكأن العـالم محاصر تحت قبضـة قـوى غـاشمـة لا مفـر منهـا..
|| تفسـيرات ||
حضور النسـر المهيمن في المشهـد، يدل على انتصار الخـير على الشـر / باعتبـاره رمـزا للتحـرر والقـوة والهيمنـة والتطلعـات العـالية والسيـادة.
فشكلـه ينـم عن الفخـامة والعظمـة / لـه دور كبير في عـالم اليـوم، نـراه كشعـار لبعض رؤسـاء الـدول والعـديد من الأنديـة الريـاضيـة...
الفـنـان يوسـف ٱستخـدم (الكمـامـة) على الأنـف المنقـاري للنسـر / لأنهـا تشكل رمـزا للنجـاة، وتخـتزل الرغـبة في الحفـاظ على الحـيـاة.
(السمـاعة الطبّيـة) على عنـق النسـر / ٱستخدمهـا الفنـان لتفـحّص كـوكب الأرض المثقـل بالقـيود والإستغـلال.
|| رمـزية الألـوان ||
كل لـون في اللوحـة يشـير إلى معـنى عمـيق، فمثـلا : (الأزرق الرمـادي) هو الأكثـر استخـدامـا في اللوحـة / لتجسـيد عمـق مـأسـاة الحـرب المتمثلـة في التدمـير والخـراب
فهو يرمـز للكـآبـة والتشـاؤم
مع لمسات من اللّـونين (الأزرق والذهـبي) في الكـرة الأرضيـة، والأحمـر في أسفـل المشهـد.
(الأزرق) يـدل على الأمـن الداخـلي، ويسـعى إلى الهـدوء والسـلام
(الذهـبي) يرمـز إلى الإشـراق وسطوع يـوم جـديد، ويضفـي الكثير من التفـاؤل.
(الأحمـر) يثيـر مشاعـر الغـضب والعـداء والخـوف والشـر والخـطر، ويضفـي إحساسا بالإحـبـاط.
فهو يرمـز للإرهـاب والأحـداث الدمـوية والفسـاد والخـراب والدمـار والخسـارة أيضا..
في الخـتـام، يمكن القـول أن اللوحـة سريـالية، تعـبّـر عن فلسفـة وحشيـة مدارهـا البشـرية بأكمـلهـا، والصراعات القـائمـة على المـادة، والنـاتجـة عن الحـروب بشكل عـام.
يوسـف، سخّـر فـنّـه بروحٍ عمـلاقة، ليكون صوتـا لضحـايـا الحـروب والصراعات، وصوتـا للإنسانيـة ضد صنـوف القهـر والظلـم والعنـف والتعـذيب والأسـر والفـساد...
ويسـعى لنبـذ الحـروب والجـرائم الوحشـية والمـأسـاة، ويدعـو إلى التسامح والمحـبة والسـلام بين شعـوب الأرض.
وهذا مـا يعكس قدرتـه الفـائقـة على مـزج الخـيال بالواقعـية بطريقـة سريـاليـة فـريدة في نقـل صورة دقيقـة ومؤثـرة عن أهـوال الحـرب، ومـا ارتُكِـب فيها من جـرائم مروّعـة بحـق الإنسانيـة.
لهذا دائمـا مـا تحمـل أعمـاله رسائـل إنسانيـة مهمـة وصادقـة.
الفـنـان دائمـا مـا يكـون أكثـر إحساسا بالهمـوم الإنسانية بشكل عـام، وقضايا الحـروب من القضايا الكارثيـة، وربمـا لا ينتبـه التـاريخ لبعض تفـاصيلهـا بنفس القـدر، فهو يهتـم بالأحـداث الكبيرة..
وهو الأكثـر قـدرة على التعـبير عن النفـس البشـرية من خـلال كل الفنـون سـواء التشكيلية أو الكتـابة والسينمـا.
(الفـن السريـالي) الهـدف منـه هو تقـديم تشكيلـة بصريـة تعـبّر عن حلـم أو فكـرة يصعـب إظهـارهـا بأسلـوب واقعـي.
# الجـدير بالذكـر، أن جمـيع النسـور العمـلاقة هي إنـاث، لأنها أكـبر حجمـا من الذكـور، وقدرتهـا على التحليق عـاليـا بشكل أفضل لكِـبر حجمهـا.