دَرْسٌ في اللُّغَةِ:
الْإطْنابُ وَالْإسْهابُ وَالِاسْتِطْرادُ
وَالِاسْتِدْراكُ مَعانِيها وَالْفُرُوقُ بَيْنَها:
كُلُّها تَشْتَرِكُ فِي مَعْنَى التَّوَسُّعُ في السَّردِ.
- الْإطْنابُ هُوَ الْمُبالَغَةُ فِي الْمَدْحِ وَتَجاوُزُ الْحَقائِقِ. وَهَذا ما نَلْمَسُهُ في شِعْرِ الْمَدِيحِ . وَأَصْلُهُ مِنَ الطَّنَبِ وَهُوَ الْحَبْلُ الْمُمْتَدُّ طَوِيلًا في بَيْتِ الشَّعْرِ، الَّذِي بيَشُدُّهُ. وَمِنْهُ فُلانٌ طَنِيبٌ، وَأَطْنَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ طَلَبُ الْمُسْتَغِيثِ يَأْتِي إلَى بَيْتِ الشَّعْرِ أَوِ الْخَيْمَةِ وَيُمْسِكُ في طَنَبِها، فَيُصْبِحُ في حِمايَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَفي عَهْدِهِ، وَمِنْهُ الْقَوْلُ الشَّعْبِيُّ الْمَأْثُورُ (طَنِيبْ عَلِيكْ).
وَالْإطْنابُ قَبِيحٌ فِي الشِّعْرِ، وَهُوَ مَقْبولٌ إذا كانَ مُعْتَدِلًا وَمِنْ فُروعِ الْبَلاغَةِ.
وَالْإطْنابُ أَنْواعٌ مِنْهُ الْحَشْوُ فِي الْكَلامِ، وَهُوَ زِيادَةُ أَلْفاظٍ لا حاجَةَ لَها. وَيَكْثُرُ في كِتاباتِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُثَقَّفِينَ، كَاسْتِعْمالِ كَلِمَاتٍ مِثْلِ حَيْثُ وَأَنَّ وَكَوْنُ وذَلكَ وَغَيْرِها.
وَمِنْهُ ذِكْرُ الْخاصِّ بَعْدَ الْعامِّ، مِثالٌ: كُلُّ الْمُعَلِّمِينَ حَضَروا خاصَّةً مُعَلِّمُو التّاريخِ . فَهَذا التَّخْصيصُ زائِدٌ.
وَكَذَلِكَ التَّكْرارُ في الْجُمَلِ واللَّفْظِ مِنَ الْإطْنابِ وَهُوَ مُمِلٌّ وَقَبِيحٌ، وَالْإعْجازُ ما قَلَّ وَدَلَّ.
- الْإسْهابُ هُوَ التَّطْوِيلُ فِي الْكَلامِ وَمَدُّهُ وَبَسْطُهُ دُونَ فائِدَةٍ. يَمِيلِ إلَيْهِ بَعْضُ الْكُتّابِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ تَوْضِيحٌ لِلْمَعْنَى. يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْمَأْثُورَةُ الشَّعْبِيَّةُ (وَفَسَّرَ الْماءَ بَعْدَ الْجُهْدِ بِالْماءِ) فّالْماءُ هُوَ ماءٌ لا غازٌ.
أَسْهَبَ الْخَطِيبُ في كَلامِهِ تَوَسَّعَ فِيهِ كَثِيرًا، حَتَّى تُنْسَى أَوائِلُهُ، فَخَيْرُ الْكَلامِ أَنْ تَكُونَ الْأَفاظُ عَلَى قَدْرِ الْمَعاني.
- الِاسْتِطْرادُ أَصْعَبُها وَهُوَ الْخُروجُ عَنِ الْمَوْضُوعِ وَالِانْتِقالُ مِنْهُ إلَى مَوْضُوعٍ آخَرَ لا عَلاقَةَ لَهُ بِهِ. وَيَكْثُرُ هذا في أسْلُوبِ القُدَماءِ كَالْجاحِظِ فِي رَسائِلِهِ وَكِتابِ الْحَيَوانِ ، وَأَخْبارُ الزَّمانِ لِلْمَسْعُودي وَغَيِرِهِما.
وَاشْتِقاقُ. وَأَصْلُهُ مِنَ الطَّردِ وَهُوَ الْعَدْوُ السَّريعُ، وَالطَّرْدِيَّةُ ما يُصادُ مِنَ الْحَيَوانِ ، تَطْرُدُها الْخَيْلُ. وَقَدْ نَعَتَ امْرُؤُ الْقَيْسِ حِصانَهُ بِقَيْدِ الْأَوابِدِ، أَيْ يَلْحَقُ الْآبِدَةَ أَيِ الطَّريدَةَ وَيَكُونُ لَها كَالْقَيْدِ.
وَالطَّرْدِيّاتُ قَصائِدُُ الصَّيْدِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الصَّيْدِيّاتِ، وَقَدِ اشْتَهَرَتْ فِي الْعَصْرِ الْعَبّاسيِّ عَلَى يَدِ الْخُلَفاءِ الَّذينَ عَشِقُوا رِياضَةَ الصَّيْدِ وَصَحِبُوا الشُّعَراءَ مَعَهُمُ لِيَصِفُوا عَمَلِيَّةَ الصَّيْدِ والِْاقْتِناص.
- الِاسْتِدْراكُ هُوَ تَتِمَّةْ جَدِيدَةٌ وَزِيادَةٌ فيها فائِدَةٌ لِكَلامٍ سَبَقَ لا يَتِمُّ إلّا بِهِ. وَأَشْهَرُهُ الْمِسْتَدْرَكُ عَلى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحاكِمْ النَّيْسابُوري، اسْتَدْرَكَ آلافَ الْأَحادِيثِ الصَّحيحَةِ عَلَى شُروطِ الْبُخاري وَمُسْلِمٍ.
وَمِنْهُ أَيْضًا قامُوسُ تاجُ الْعَرُوسِ في شَرْحِ الْقامُوسِ لِمُرْتّضَى الزَّبِيدي، شَرَحَ قاموسَ الْمُحِيطِ لِلْفَيْروزَبادِي وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ منْ مَعاجِمَ أُخْرَى كَلِسانِ الْعَرَبِ لِابْنِ منظور وَجَمْهَرَةِ اللُّغَةِ لِابْنِ دُرَيْدٍ الْأزْدي.
الْمُسْتَدْرَكَ مُشْتَقٌّ مِنْ أَدْرَكَ الشَّيْءَ أيْ حازَهُ.