رؤيتي : د/علوي القاضي.
... خلاصة ماتقدم في الأجزاء السابقة أن : (الحقيقة) أن ترى أمامك نهر يجري ويروي ظمأك ، و (السراب) أن ترى ماءا بقيعة تحسبه كذلك ، و (الوهم) أن تظن أنه سيروي ظمأك ، حتى إذا أتيته لم تجد شيئا ، وقد تسمع عن أحدهم ، فلاتصدق فقد يكون الشخص مستقيما والمبلغ مائل ، ولذلك فلايجوز (الكذب حتى لوبهدف التجمل) كما أكد الكاتب (إحسان عبد القدوس) ، والذي يجيد الكذب هو (الرجل الصفر) كما أسماه (د/ابراهيم بن عبدالله الدويش) ، لأن هدفه إشاعة السلبية ، والوصول بمن حوله إلى الدرك الأسفل سلوكا وأخلاقا وثقافة ، ومشهد (لوحة الوهم) للفنان (جوزيف ديزيريه) ملخصه (أن التمسك بالماضي يفقدك الحاضر والمستقبل) ، والكثير من التاريخ تم تزييفه عن عمد حتى الإعلام كان له الدور الأكبر في ذلك بإيعاز من الحكام الفاسدين ، ولخص لنا (جبران خليل جبران) خبرته (أن أولادنا ليسوا ملكنا لكنهم ملك وقتهم وظروفهم ، ولانستطيع التحكم فيهم) ، ودائما (ظاهر) الأشياء يختلف عن (باطنها) وأفضل مثال المحيطات والنفس البشرية ، وقد تناول الفلاسفة والأدباء والشعراء ظاهرة (الحقيقة والسراب والكذب والوهم) ، وتجلى ذلك فى أشعار (المتنبى) ، ورواية السراب لـ (نجيب محفوظ) ، وقصة الحقيقة والسراب لـ (سماح الحريرى) ، و كتاب سيكولوجية الجماهير لـ (جوستاف لوبون)
... والغنى الحقيقي أن تستغني ، والملكية الحقيقية ألا يملكك أحد ، وألا تستولي عليك رغبة ، وألا تسوقك نزوة ، والسلطنة الحقيقية أن تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم ، تذكر أن الذين يملكون الأرض تملكهم ، والذين يملكون الملايين ، تسخرهم الملايين ، ثم تجعل منهم عبيدًا لتكثيرها ، ثم تقتلهم بالضغط والذبحة والقلق ، ثم لايأخذون معهم درهما ولادينارا ، هؤلاء هم الفقراء حقاً
... دائما يسيطر على تفكيرنا ويراودنا هذا السؤال (ماهى حقيقتى أنا ، وحقيقتي في عيون الناس؟!) ، ربما شغلنا هذا السؤال في مواقف عديدة ، ولم يتطرق لذهننا تعديل السؤال فيكون ، ماهي حقيقتي في قلوب الناس؟!
... فأغلب ظني أن : تبني السؤال الأول يُشير إلى سطحية في التعامل تحصر العلاقات الإنسانية في ، المظهر (عن قصد) ، فتجعلنا نُعلي من تقدير الشخص بناءً على ملبسه أو سيارته أو ساعته أو نظارته أو فستانها أوحُليها ، في حين نأنف من أشخاص آخرين لبساطة ملبسهم وتواضع مظهرهم
... ولو إنتبهنا قليلاً نجد أن رب العزة علمنا أن لانقع في فخ التمني (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ) ، ثم تفتح لنا مغالق المعرفة ، فيحدث مالم نكن نعلمه فنفيق فندرك أن ماكنا نظنه حرماناً هو عطاء (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)
... ويقيني أننا إزاء مؤامرة كبرى ، أسس لها إبليس ، وتبناها شياطين الإنس ، وٱتت أُكلها ، فصارت كل أمورنا قائمةً على الظاهر والمظاهر ! ، ولم يُعد إزاء طحن الحياة لنا بإيعاز من هؤلاء المتآمرين وقتاً للوقوف مع النفس ومراجعتها وتصويب إعوجاجها !
... وهذا مايجعلني لا أتذكر آخر مره جلست مع نفسي ، لأنني مشغول طول الوقت ، سواء في العمل ، أو غيره ، إدعاءاً أن ذلك لتحقيق الذات ! وقضاءاً للمتطلبات !
... والحقيقة أنني لم أجلس مع ذاتي لأعرف متطلباتها والأكيد أنها لن تكون راغبة في كل هذا العناء والتعب والمشقة !
... هنا تبرز مشكلة أنني أرى نفسي في أعين الآخرين وأرغب في تعظيم مركزي في أعينهم ، وليس في قلوبهم ، فنتبارى في العمل على إكتساب كل شئ ، وأي شئ ، بكل السُبل دون التنبه إلى مشروعيتها !
... بينما غفلنا عن حقيقة أن الرؤية الحقيقة هي بالقلب (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، فمناط الأمر كله إلى القلب لنعقل مانفعله بأنفسنا من لهاث العين بحثاً عن الملذات ، دون إدراك لحاجات الذات ! ، ليتنا نزيل الجفوة بيننا وبين قلوبنا ، فنستمع له ونستعين بعقل القلب ، ونتخلى عن العمل بناصية الدماغ التي عرفنا الله أنها (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)
... ليتنا نتوقف أن نكون كالمُغّمى الذي يدور في ساقية ، لاهو توقف فاستراح ، ولا بلغ نتيجة لسعيه فربح !
... اللهم أعل قلوبنا فوق أعيننا ، وحكم عقولنا في أدمغتنا ، وهب لنا رشداً تهدأ به قسوة الحياة ، وانشراحاً في الصدور لتنجلي لنا حقيقة الأشياء