jeudi 27 février 2025

« الابتلاء قرين الإيمان »

فلا يحسبن جاهلا أن كلما قوي إيمانه واستقامة على الطريق المستقيم... أنه سينجو من الابتلاء.. هيهات هيهات فلو كان أحد نجى من الابتلاء لنجى منه الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، وإنما كلما زاد إيمان العبد المؤمن زاد الله تعالى في ابتلائه.. اختباراً و امتحانًا لصبرهِ على البلاء ولصدق إيمانه.. وقد أشار الله عز وجل إلى هذا الأمر في قوله تعالى﴿ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) وقوله تعالى ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ وقوله ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب﴾. 
فهذه سنة الله في خلقه كلما قوية إيمان عبدٍ زِيدَ له في البلاء.. امتحاناً واختباراً لما في صدره و لقوة صبرهِ على ما يصبه من البلاء و الهم والغم والحزن والشدائد... ولا يظن العبد المؤمن أنه وحده في محنتهِ.. بل الله عز وجل يراه وهو أعلم بحاله من نفسه.. ألم يقل لنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ﴾ لكن الله يريد من عبده الذي سلط عليه هذه البلاء.. أن يصبر وينجح في اختبار الابتلاء الذي أصابه كما نجح فيه الأنبياء والصالحين من قبله، لترفع درجته في الآخرة..
 وعن سعد بن أبي وقاص قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: « الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه » وفي هذا الباب آيات كثيرات نذكر منها قوله تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ وقال رسول الله ﷺ: « إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ». لهذا الرضا بالابتلاء من علامات الإيمان القوي وهو أمر مطلوبٌ شرعاً لكل مؤمن.
وليعلم العبد المسلم.. فهو في الحقيقة أعلم بحال نفسه من غيره، إذا علمَ في نفسه أن ابتلاءه ضعيف.. فل يراجع نفسه ويعلم أن إيمانهُ كذلك ضعيف، كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي سبق ذكره... أما إذا أنعم الله عليه بعد صبرٍ طويل على ما أصابه من البلاء.. فهذا يعتبر فضلاً من الله عليه بسبب صبره على اصابه من البلاء.. كما قال الله تعالى عن أيوب ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ،فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾ وقوله ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾. لهذا أقول: وهذا القول أردت أن يكون مثل القاعدة الفقهية المتعلقة بدرجة إيمان العبد التي يرى من خلالها درجة إيمانه الحقيقي بحيث لا تقبل التكذيب وهي « كلما ضعف إيمان العبد قل ابتلاءه ». و بمفهوم المخالفة « كلما قوي إيمان العبد كثر ابتلاءه » . وربما يكون الابتلاء عقاب للعبد المؤمن بسسب عجلته وتسرع في أشياء لم يحن وقتها بعد.. لكي يتذكر ذنوبه ويستغفر ويرجع إلى الله تعالى، كما أشار الله عز وجل لهذا الأمر في قوله ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، ﴾. 
ولتذكير فإن الابتلاء نوعان: وكلاهما فتنة للعبد وهما في الأصل مرتبطان بالصبر في الضراء والشكر في النعمة، قال الله ﴿ ونبلوكم بالخير والشر فتنة ﴾
1- ابتلاء بالخير وهي أن يفتح الله على العبد ابواب النعم المختلفة..
2- ابتلاء بالشر وهو أن يفتح الله على العبد ابواب المصائب والأحزان و الشدائد..
بحيث أن زمن الابتلاء للعبد المؤمن لا يعلم مدتهُ أحد إلا الله ، فقد يطول سنين طويلة وقد يقصر حسب مشيت الله تعالى مثل : ابتلاء يعقوب في إبنه يوسف عليهما السلام دام 40 سنة من الفراق مع ما فيها من الابتلاء المختلف لكليهما، وابتلاء أيوب عليه السلام قيل 18 سنة في ماله وأهله وجسده وقومه، وابتلاء يونس ابن متى عليه السلام في قومه يدعوهم إلى الله يقيل 9 سنين وقيل أكثر ولم يؤمن أحد منهم ،ثم من بعد ذلك ابتلي ابتلاء أشد عندما إلتقمه الحوت فلبث في بطنه ما شاء الله أن يلبث.. فنفعه إيمانه وتسبيحه لله عز وجل في الرخاء قبل أن تصيبه الشدة وكذلك تسبيحه في الشدة في بطن الحوت، فكذلك ينبغي للعبد أن يكثر من التسبيح لله عز وجل في جميع أحواله في الرخاء وفي الشدة، وألا يجزع ولا يسخط.. بل يصبر ويحتسب ويسأل الله الفرج والنجات من الغم.. كما بين الله تعالى هذا الفضل الكبير للمؤمنين في قوله ﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
 فبعد الابتلاء إذا كان مصحوبة بالصبر وعدم القنوط من رحمة الله يأتي الفرج العظيم من عند الله لأهل الإيمان والصبر .. فيمتعهم الله متاعاً حسناً إلى حين، كما بين هذا الأمر سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في كثير من المواضع نذكر منها قوله ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ وقد ذكر الله تعالى بعض أنواع من ابتلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، كابتلاء أيوب ويونس ابن متى وهو داخل بطن الحوت، وقد بين الله تعالى أن المؤمن القوي الصادق هو الذي يصبر على البلاء ويذكر الله في جميع أحواله.. وليعلم أن بعد الابتلاء متاع من الله ينسي المؤمن شدة الابتلاء.. لهذا على المؤمن أن يصبر مهم طال به الزمان واشتد به البلاء وليعلم بأنه من أهل الأمثل من الصالحين وهذا شرف عظيم له إن صبر عليه لأن الله أحبه لهذا ابتلاه ليرفع درجته في الآخرة.
 والمؤمن على يقين دائم أن فرج الله قريب..و أن بعد العسر يسرا.. ولا يستعجل فإن لكل أجلٍ كتاب.. وأن متاع الله سيأتي للعبد المؤمن في أجلهِ والله يزيد من يشاء من نعيمه بلا حساب.. كما جاء في قوله عن أيوب عليه السلام ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم : أي أن الله عز وجل رد عليه ما فقده من أهل وولد ومال مضاعفًا، فهذه بشارة لكل صابر على البلاء، أن رحمة الله ليس لها حد .
بقلم: الشاعر والكاتب والناقد والباحث أحمد أحبيز

محمد علقم

ضمد جراحك .................. ضمـد جـراحــك وانهـض يـا فتى  وكـــن مستعـــدا للقـــاء الــــردى خيــــل الغــــزاة اليــــوم أقبلـــت تــريــ...