بقلمي د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، وبعد سرد قصة وذكريات عم (صيام) مع شهر (الصيام)
... وهنا جدير بالذكر محاكاه ماسبق مع قصة (زميل) لي ، الذي سافر للعمل في بلد عربي ، يقول بداية أنه لم تكن أيامًه هناك سيئة ، ولكنه تعرف على مجموعة راقية جدًا من أهل تلك البلد وأحبهم ، لكن عندما جاء رمضان لم يستجد شيء ، فقد كان رمضان يمر كأي شهر آخر هناك ، وبالتأكيد لم يتجسد في صورة (عم صيام) ذلك العجوز الطيب ، الذي أحبه من حديثه في الحلقة
... يحكي (الزميل) أن رمضان هناك فقط للطعام الكثير وبلا روحانيات ، تجهز يوميا أطنان من الطعام ، وعرفت من زميلي أن العمل الحقيقي في المستوصف الذي كان يعمل فيه يبدأ في منتصف الليل ، عندما تصل حالات الإسهال والتلبك المعوي وسوء الهضم
... وبعد أن تمر ساعة أو ساعتان ، تبدأ كل المطاعم بتوصيل (الكبسة واللحم الضأن والمظبي) للمنازل لزوم السحور ، ولاتسمع أي صوت ، لاتواشيح ولا قرٱن ولاحديث ديني ، لدرجة أن زميلي كان يتمنى أن يقدم أمواله مقابل سماع صوت النقشبندي أو محمد رفعت أو الشيخ الشعراوي
... تحمل زميلي كل هذه المعاناة النفسية والروحية على أمل أنه سيعود يومًا لمصر ، وسيقابل عم (صيام) العجوز الطيب حاملاً الفانوس المضاء بالشموع والمميز لهذا الشهر الكريم
... ولكن هيهات هيهات ، فعندما عاد لمصر كانت أمور كثيرة مما حكاها عم (صيام) قد تبدلت وتغيرت بشكل ما ، حتى عم (صيام) نفسه داهمه المرض وأقعده في البيت ، بدا لزميلي وكأننا نقترب أكثر من صورة رمضان التي رٱها في ذلك البلد العربي ، لالون له ولاطعم ولارائحة ، نعم مازالت هناك فوانيس لكنها من البلاستيك القبيح ، وعليها علامة (صنع في الصين) ، فالصينيون تجار بارعون فعلاًَ ، وقد أتحفونا كذلك بتلك المتفجرات التي يفجرها الأطفال بلا عقل أو روية ، طرق صاخبة مزعجة للإحتفال برمضان لم نعرفها من قبل ، كلها عنف ومادية وخالية من الروحانيات
... وللأسف يدعي (المجددون) تشويها للشعائر الدينية أن الفوانيس عادة فاطمية يعني شيعية ، ومن الأفضل التخلي عنها تمامًا ، نفس الشيء يقولوه عن مدفع رمضان والكنافة والقطائف وربما المسحراتي
... ولكن السؤال هنا ، لماذا كل هذه المتغيرات ؟! ، هل أضرت هذه العادات بالدين ؟! ، أبدا !! ، هل جعلت الناس أكثر شرًا وتوحشًا وشهوانية ؟! ، أبدا !! ، ماأعرفه أن هذه اللمسات البسيطة ربطت رمضان بالفرحة في نفس كل طفل
... فلا يوجد طفل مصري إلا ويشعر بالطرب واللهفة عندما يسمع كلمة رمضان وعلى الفور يبدأ في تعليق الزينة ، هذه اللمسات الصغيرة مع التجمع الأسري ، ولذة أن يشعر بأنه صار كبيرًا ويصوم كالآخرين
... ويقول الزميل أنه رأي كذلك ولعًا شديدًا لدي (المجددين) بالبحث عن أشياء أخرى ليحرموها ، مثلا يقولون لاتقل (رمضان كريم) ، لأن هذا فيه شبهة شرك والعياذ بالله ، فالكريم من أسماء الله الحسني ، فلا تستعملها مع إسم الشهر ، وكذلك لاتقل (أنا فاطر) لأن الله فاطر السموات والأرض ، وهم يعرفون أنك تستعملها بمعني مختلف تمامًا ، يقولون هذا ولا يتساءلون عن الأسوأ ، فما الأفضل أن تكون فاطرًا فعلاً أم أن تقول أنا فاطر ؟!
... ومما زاد من إمتعاضنا واستياءنا ، أنه حتي في عيد الفطر ، تصحو منتعشًا وتتوضأ منتظرًا لصوت الإنشاد من المسجد القريب ، (صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه) ، لكنك تكتشف عندما تبلغ المسجد أنهم حذفوا هذا المقطع من الإنشاد ، تسأل عن السبب فيقولون لك إن باقي الإنشاد ليس شرعيًا !
... تبنى (المجددون) كل شيء خطأ ، والدائرة تضيق من حولك بأفعالهم ، ولذة لدي من يكتشف منهم شيئًا جديدًا ، مما يشعرهم بالتفوق علي الآخرين ، وأنه أعلي درجة ، إفعل ولاتفعل ، ولكن هل هذه الدائرة تورث سلامًا نفسيًا فعلاً ؟! ، كلا !! ، وهل تجعل الناس أكثر طهرًا ؟! ، كلا وألف كلا !!
... إذن (ليست) المشكلة في عم (صيام) الذي يجعلون حبنا له خطأ فادحا ، لكن (في) الشيوخ (رفعت والكحلاوي والنقشبندي والشعراوي) ، وفي (الفهم المصري) السمح للإسلام ، المشكلة التي تضايقهم هي (مصر) نفسها ببساطتها ورباط أهلها
... لعن الله المجددين وجعل سهمهم في نحورهم
... كل عام وحضراتكم بخير