بين الحب والواجب
ق.ق.
أعلن الملك قرارا مستغربا في الأولمبياد السنوي، بأنه سيزوج ابنته الوحيدة للشاب الذي سيتغلب عليه في لعبة الشطرنج، شريطة أن توافق الاميرة على الشاب الفائز.
امتطى حراس القصر خيولهم و داروا في البلاد يعلنون القرار الملكي.
الملك أيضا، كان ملكا بلعبة الشطرنج أو لعبة الذكاء والذاكرة ، ولم يتمكن أحد من التغلب عليه يوما في تلك اللعبة، ولكن هذه السنة أحب أن يتباهى بعظمته أمام الناس يجدد تأييدهم، ويكسب محبتهم... وكونه متأكداً بانه لا يوجد من يستطع أن يتغلب عليه بتلك اللعبة، لذلك لم يخش أن يخسر الرهان ويطلب يد ابنته.
عادة الملوك يصاهرون من معشرهم، ومن البديهي أن يفكر ملكنا بتزويج ابنته إلى ملك، أو ابن ملك، أو حتى أمير، لكن ليس لأحد من المواطنين العاديين اطلاقاً...
بعد التصفيات والغربلات بين المتنافسين ، جاء موعد مباراة الشطرنج.
جلس الحكام بجانبي الطاولة المخصصة، جلس الملك على الكنبة الملكية، وجلست الأميرة رائعة الجمال بجانب والدها وبدأت المنافسة، بدأ المتبارون يدخلون إلى الصالة يملأهم حلم كبير .
كان الملك سرعان ما يتغلب على الخصم فيخرج هذا الأخير من القاعة مكسور الخاطر بعد أن فقد حلمه الكبير، فيعلو التصفيق للملك الرابح حارا .ثم يدخل لاعب آخر، وسرعان ما يخسر الآخر ويخرج ...وهكذا الواحد تلو الآخر...
وأخيراً دخل شاب وسيم، بشرته حنطية بلون القمح، عيناه خضراوان تشعان ذكاء، وابتسامته قوية نافذة تظهر ثقته بذاته...
جلس الشاب على المقعد المقابل للملك، ونظر إلى الأميرة فراعه جمالها الساحر...
دارت المباراة واحتدمت التحديات ، الشاب كان يخطف نظرات سريعة إلى الأميرة الفاتنة بين الحين والحين، الحقيقة اعجبه جمالها وانوثتها ويبدو إن قلبه تهيج، وتسارعت نبضاته... ويبدو هي أيضا أعجبها الشاب. ولم تكن ترفع نظرها عنه.
اشتد وطيس اللعبة وحاصر الشاب شاه الملك، وأحس الملك بأنه أمام خصم عنيد، قوي وإن ملكه بات في خطر....فأخذ يحاول انقاذ ملكه، والعرق يتصبب من جبينه، ولأول مرة شعر بالحرج....
لا اخفاكم أصدقائي، الاميرة انفطر قلبها بجمال الشاب ونظراته الذكية، وثقته بذاته، وتمنت لو يصبح هذا الشاب بالذات فارس احلامها. ودعت أن يخسر والدها الرهان، ويكسب هذا الشاب الوسيم الذي رقص له قلبها...
أخيراً، أعلن الحكام خسارة الملك، وساد صمت ووجوم وترقب. بينما الشاب والاميرة، كان يبدو عليهما السرور ويتبادلان نظرات الحب، وهمسات القلب الحارة، وكلاهما أحس بنبض قلب الآخر المتسارع.
جلس الملك صامتاً حتى استطاع أن يلتقط أنفاسه، ويتمكن من النطق. وأحس بان الأمر قد فلت من يده، لكنه كان مجبراً أن يفي بوعده ويزوج ابنته لمن ينتصر عليه، وهذا الشاب قهره وتغلب عليه...وكيف له أن يتهرب من الوثيقة الملكية وينقض كلامه أمام شعبه.
التفت الملك نحو ابنته مستنجداً كونها الورقة الأخيرة متمنياً أن ترفض الشاب، وتخرج والدها من هذا المأزق الحرج الذي أوقع ذاته فيه، وسأل أبنته، ما رأيك؟
هزت رأسها بغنج وابتسمت ابتسامة خجولة، وقالت أنا موافقة... لقد خسر الملك الورقة التي ظن بانها الورقة الأخيرة الرابحة في يده.
نظر الملك إلى الشاب بخبث محاولاً أن يرشيه ويغريه بالمال والذهب وقال له: لك الحرية بالزواج من ابنتي، او تأخذ المبلغ الذي يرضيك وترحل .
قال الشاب، يا للأسف يا مولاي، انا لم أحلم يوماً بالزواج من أميرة كابنتكم، زواجا يسعدني ويشرفني، يكفيني إنها أبنة ملكنا الحبيب، لكنني لست طالبا للذهب ولا للمال. أنا اريد قمحاً احمله لقريتي الجائعة...
ارتبك الملك، وأحمر وجه خجلاً، وشعرت الأميرة بخيبة أمل وركضت هاربة من القاعة. وساد صمت طويل ووجوم...
الملك تعجب من موقف الشاب، الذي رفض الزواج من الأميرة ورفض الذهب. شاب يحب ضيعته أكثر من ذاته. وأدرك تماماُ بأن هذا الشاب ذو اخلاق عالية. هذا امر له دلائل عظيمة...
نهض الملك وسار نحو الشاب، صافحه، وعانقه، وقال له كم أنت شهم يا هذا، لقد ادهشتني...
قال الشاب من يبيع أهله وضيعته، غير جدير بالحياة...
قال الملك: تكرم ستحمل القمح لأبناء ضيعتك،
لكنني مستغرب الأمر . أنا أعلم بأن مخصصات القمح ترسل بانتظام للقرىسو. نعم
ف أحقق بالأمر.
وانت تعود لأزوجك ابنتي، وستسكن في قصري أميراً مكرماً. ولن نترك اهل ضيعتك بعد الآن جائعين... وفي الصباح سأرسل دوريات تستطلع من الذي يسرق القمح.
دقت طبول الفرح، وصار حفل ملكي كبير. حضره جميع المدعوين، واحتفلوا في زواج الشاب والاميرة.
عاش الشاب وأهله في قصر الملك، وتعلم السياسة والقانون وكانت حكمته مثار اعجاب جميع أعضاء البرلمان، ورضاء الملك.
بعد سنوات توفي الملك بعد مرض عضال، فانتخب مجلس الشيوخ الشاب ملكا على بلدهم. وفعلا كان اختيارهم ناجحاً. ساد في بلدهم السلام والعدل والقانون.