لطالما كنت أتسول الحياة على أرصفة الورق .. أجمع الحكايات واحدة تلو أخرى .. بعضها أسمعه من المارة عبر أزقة الحياة الضيقة و من تجاربهم القاسية.. و بعضها أعيشه .. و بعضها أقرأه في أعين الزمن .. أمسك القلم فتتلبسني حالة كتلك التي تتلبس مجذوبا في حلقة ذكر و يذهب بي خيالي بعيدا بعيد داخل عوالم أخرى .. أزقة طويلة و حارات و شوارع و أماكن لم أكن أعرف أنها موجودة .. لحظات من الدهشة تمر كـ تلويحة يد سريعة من مسافر على متن قطار إلى مسافر على متن قطار آخر في اتجاهين متعاكسين .. فيسجل قلمي ما يراه خيالي ، كيف يقال ، و كيف يسمع ، و كيف يشعر .. عند اللحظة التي تظهر فيها شخصيات حكايتي يبدأ قلبي بالتقافز داخل صدري فأسير بقلمي متتبعة خطواته من بعيد .. فهذي امرأة تستحق أن تشعل حربا من أجل الحصول على حقوقها بالحياة ، و تلك طفلة يملأ صوتها المكان و يضيئه بالضحكة و هي حزينة لكنها في النهاية تضحك ، و ذاك زوج يجالس زوجته و يسامرها فتضحك ، فأضحك معهم ، أحزن ،أصرخ ، أموت و أحيا دون أن أشعر بالحرج ، أحدثهم و أشعر أنهم مثلي يمرون بما أمر به ، و في لحظة جحيمية تهدأ عاصفة الخيال فتقرر المغادرة و اقتناص استراحة من عبثي المجنون بعالمها فينقطع البث، ولا أستطيع عبور أسوار أفكاري التي صنعتها و الاتصال بشخصياتي التي أحببتها فيجمد خيالي ، فتصبح المدينة فارغة لا بشر ، لا بيوت ، لا شوارع ، لا أشجار ولا حتى ذكريات .. أبكي عجزي عن الكتابة فتقاطع سيل دمعي شخصية جديدة توقظ بي شيئا لم اختبره من قبل ، تدرك ما أفكر به فتشعل حربا كي تمكنني من الاتصال بروايتي من جديد ، عند ذلك يتوهج القلم فيمس روحي قبس من نور فلا أستطيع تجاهل انبثاقه.. يا إلهي كم تشبهني تلك الشخصية أنا المجنونة التي لا يشبهني أحد حماس يدب فجأة و يبدأ قلبي يخفق بجنونه القديم ، عند ذلك يتوهج القلم و ألقي بنفسي داخل روايتي لا يهدأ صراخي الروحي إلا بإتمام حكايتي جنون ما يسكنني.. فلا أكتفي بالكتابة و أقرر نشر حكاياتي التي تكدست بها أوراقي ، أحاول فلا أستطيع نشر خواطري التي كتبتها و أرسلتها للمنصات للنشر و رفضتها واحدة إثر أخرى .. بحجه انها عامية و يريدونها بالفصحى .. فلجأت لدور النشر ورحبوا جدا.. و إحداهن قالت ادفعي المال لننشر.. و كان قبلها دار أخرى قالت لا ننشر إلا للمشاهير و ثالثة قالت لا يمكن أن ننشر هذا الهراء فالنساء و الأطفال لا يفكرون على هذا النحو .. لا ..إنهم يفكرون هكذا أو أعمق ، و لكن مشكلتكم أنكم حين تقرأون ما نكتبه عنهم تخجلون أن تلك الشخصيات تفكر أفضل منكم أنتم ، أبناء القواميس و هم أبناء الحياة ، ترفضون لأنكم تملكون مفاتيح النشر ،
أجمع أوراقي أتسلل من البيت أذهب إلى المقابر أحفر و أحفر و أدفن كل ما جمعته من حكايات اطعمها للموت رغم كل الحياة الموجودة فيها .. وبعضهم القيه في النهر .. و اعاهد نفسي بألا أعود للكتابة من جديد.. ولكن هيهات ها انا هنا اكتب إليكم من جديد.. وسأظل اكتب مهما قابلت من صعوبات .. فأنا اكتب لنفسي أولا ولمن تروقة حروفي .. نونا فتحى