dimanche 25 mai 2025

عبدالفتاح الطياري

التوتر بين التقدم و التقاليد
الجزء الأخير 
4. البذرة.
مرت أسابيع على "أمسية الحكايات"، لكن صدى تلك الليلة ظل يتردد في القرية، كما لو أن الجسر تنفّس من جديد بعد سنوات من الصمت.
لم تعد مريم تُعامل كالغريبة. صار الأطفال ينادونها "أبلة الحكايات"، وبعض الشيوخ بدأوا يقصدونها ليعرضوا عليها صورًا أو يتذكروا تفاصيل كاد الزمان يمحوها.
في المدرسة الابتدائية، طلبت المعلمة من التلاميذ أن يسألوا أجدادهم عن قصة من الماضي ويسجلوها كتابة أو صوتًا. فجأة، صار للذاكرة دور في الحاضر، وصار الأطفال ينظرون إلى كبار السن لا كعجزة متقاعدين، بل كخزائن حية للتاريخ.
مريم، وقد أنهت فيلمها، عادت إلى المدينة. لكن شيئًا منها بقي في القرية.
كل شهر، كانت تتلقى تسجيلًا جديدًا من هناك – طفلة تحكي عن رقصة قديمة، أو شيخ يسرد أغنية موسم لم تعد تُغنّى.
أسست منصة إلكترونية سمتها "ذاكرة الجسر"، جمعت فيها القصص والصور، وفتحت بابًا للقرى الأخرى للمشاركة.
وفي إحدى المقابلات على التلفاز، سُئلت: "هل تعتقدين أن الماضي يمكن أن يعود؟"
ابتسمت وقالت: "لا، الماضي لا يعود... لكنه قد يزهر من جديد إذا زرعناه في قلوب الأجيال."
وفي خلفية حديثها، كانت صورة الجسر القديم. لا مزدحمًا كما كان، ولا مهجورًا كما صار... بل شامخًا، يشهد ولادة ذاكرة جديدة. وقفت الفتاة على الجسر القديم، صورت الأخشاب التي تهالكت، وكتبت في مذكرتها: ربما كان التقدم ضرورياً، لكنّه لا يأتي بلا ثمن. لقد جرف معه الأصوات، والقصص، والروح التي كانت هنا.
بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس

((((((من غيرك بحبي الخلوص)))))) ♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕ من غيرك بحبي الخلوص وحده فاز من دون نقوص  يا من حس أنك تسيح  في ...