lundi 9 juin 2025

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

إنها المجاعة يا أبي !

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

   خرجت قبل غروب اليوم التاسع ـ وأنا صائم إن شاء الله ـ نحو سوق الأنعام ، لعلي أظفر بأضحية طيبة البدن ، رخيصة الثمن ، يرافقني ابني أحمد ، وبعد أن مررنا بأزقة السوق وزواياه الممتلئة بالضأن والماعز والأبقار ، إذ لم نستطع ابتياع أي منها ؛ لارتفاع أثمانها المهولة ، وبعد أن كاد أن يهيمن علينا اليأس ، وجدنا أنفسنا في آخر السوق منهكين ، إذ قطعنا ـ من حيث وضعنا مركبتنا ـ مسافة تقدر بأكثر من ألف متر .
   في هذه الأثناء استذكر أحمد أحد أصدقائه ، المتخصصين في بيع الضأن والماعز ، فاتصل به يسأله ، هل أنت في السوق ؟ قال : أجل ، قال أحمد : في أي مكان من السوق أنت ؟ قال : في آخر السوق عند سوره الشرقي ، حدقنا بالبصر بحثا عنه ، وإذا به بالقرب منا ، عند ذلك انطلقنا نحوه ، ألقينا عليه التحية ، عرض علينا بضعة من ذكور الضأن ، أشرنا إلى أحدهم ، قال : خذوه ولن نختلف في الثمن . 
   عند ذلك نظرت إلى أحمد ، فأدرك أنني أريد منه أن يحمل الأضحية إلى المركبة ، حاول الإمساك بها ثم نظر نحوي ، علمت من تلك النظرة أنه يشكو إلي ثقل وزنها ، وقبل أن أكمل ابتسامتي الساخرة من عجزه ، دخل تحت الأضحية طفل لايزيد سنه عن إحدى عشرة سنة تقريبا ، وإذا به يركض وهي على ظهره نحو بوابة السوق. 
   وهنا تصادمت المشاعر المتناقضة في نفسي ، منها ؛ قدرة الطفل على القيام بذلك الحمل الثقيل ، وما الذي دعاه لمراقبتنا ثم كالسهم للقيام بذلك الأمر دون أن يتفوه بكلمة ؟ وكيف تجشم عناء ذلك الحمل الذي ـ ربما ـ تساوى فيه وزن المحمول بوزن الحامل ؟ 
   انطلقنا نحو بوابة السوق ، الطفل يحمل الأضحية على ظهره أمامنا ، بشيء من العناء المؤلم ، ونحن نركض وراءه ؛ بغرض مساعدته ولكنه قال : إنها لا تؤودني في هذه الأثناء نظرت إلى أحمد ، وقبل أن أتفوه بالسؤال ، قال أحمد : إنها المجاعة يا أبي !!! فقلت : لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ...

د. مسعود مدني

أريد رؤية ابتسامتك  لا الأحلام تزكي أمنيات  الآمال  لا الأيام قادرة على طمس الأهوال السنوات تمر مرورا ببرهة واستعجال  بدأت بنظرة وحسن  استقب...