مشاهد من الريف اليمني
بين سوء الأوضاع المعيشية وشُحّ الأمطار الموسمية
يقف المواطن في الريف اليمني حائرًا ممزقًا بين توفير لقمة العيش لأطفاله وبين توفير الأعلاف لماشيته التي تمثّل بعد الله مصدر رزقه الوحيد وسنده في الحياة
تلك المواشي التي طالما أعانته على مواجهة الحياة
بات الآن يفكر جديًا في بيعها
لا رغبة في ذلك بل اضطرارًا ليؤمّن لأسرته أدنى مقومات البقاء يقف حائرًا
أَيبيع مصدر رزقه؟ أم يترك أسرته في فقر مدقع؟
في خضم هذه المشاهد المؤلمة أردت أن أشارككم موقفًا شاهدته بعيني، يلخص جزء يسير من حجم المعاناة
أحيانًا يجد الإنسان نفسه مضطرًا لأن يحبس ذاته في بيته لا لشيء إلا لأنه يتألم لرؤية المشاهد اليومية التي تكشف حجم البؤس الذي يعيشه الناس يُؤذيه العجز أمام معاناة لا يملك حيالها شيئًا
خرجتُ اليوم عند الساعة العاشرة صباحا إلى السوق وبعد ازدحام وضجيج لا يُطاق توجهت عائدا إلى البيت وفي طريق عودتي قلت أمرُ على أرضٍتمتد على جانب الآخر من المدينة كانت تُعرف سابقا بالمزارع
هناك رأيت طفلًا لا يتجاوز الثانية عشرة يجمع أغصان الأشجار المتناثرة
سألته ما الذي تفعله هنا؟"
فقال أجمعها لأعلف بها مواشينا
قلت له ومن أي البلاد أنت؟ فأخبرني أنه من منطقة بعيدة بل من مديرية أخرى!
دُهشت وسألته "لماذا تأتون إلى هنا رغم بُعد المسافة ومشقة الطريق؟
فأجابني بكلمات قليلة تحمل وجع الريف كله
"يا أخي التعب أهون من أن نترك مواشينا تموت جوعًا فنهلك"
كلماته كانت كالسهم قال إن البلاد تعاني من شحّ الأمطار وإن كثيرًا من المواشي ماتت ولا يكاد يمر يوم إلا وتُفجع الأسر بنفوق عدد من مواشيها التي هي مصدر رزقها الوحيد بعد الله في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد
قلت له: وهل من حلّ ؟
قال من يملك مالًا يستطيع شراء الأعلاف أما الفقراء فتموت ماشيتهم أمام أعينهم وهم لا يملكون شيئًا.
وإن أرادوا بيعها إن لم تمت في طريقها إلى السوق يتناولها التجار من واحد إلى آخر ثم يُجبر على بيعها بأبخس ثمن
عندها أدركت أن ما تمرّ به البلاد ليس مجرد أزمة عابرة أو ظرف مؤقت
بل هي محنة مركّبة سببها ليس فقط الحرب بل أيضًا تجّار الحروب الذين لا يعيشون إلا على أوجاع الناس
ضاعف من هذه المعاناة شُحّ الأمطار وجفاف الأنهار والآبار وانقطاع السُبل فتقاسمت الكارثة كل بيت وكل مزرعة وكل قلب
فاللهم رحماك بعبادك أنزل علينا الغيث غيث الرحمة في قلوبنا وغيث الأمطار في أراضينا وغيث الأمن في أوطاننا
وكفنا شر الأشرار وتجار الحروب الفجار
🖋️/يعقوب أحمد ناصر الناصري
