mercredi 16 juillet 2025

مقاربة تحليلية أدبية لنص (واقعة السقوط الأليمة) للكاتب المغربي محمد الطايع بقلم (بنصغير عبد   
اللطيف) الجزء الأول

من الأدباء المغاربة الذين قرأت لهم في الأيام الأخيرة الأديب المغربي محمد الطايع ناقد حساس دقيق متمكن من سبر أغوار النصوص عارف بخفايا فن الكتابة فارس من فرسان التحليل الأدبي الرفيع لغوي ممتاز أعتبرته من رواد الأدب المغربي المعاصر نظرا لنشاطه المستمر في إثراء الأدب بمثونه المختلفة بتمكن واقتدار ؛وقد قرأت له مؤخرا نصا يمكن تصنيفه مع النصوص القصصية القصيرة ؛و قد تناول فيه شخصية تتواجد بشدة في هوامش الشارع المغربي شخصية جمعت بين الثقافة و التشرذم و الإحباط الذي يدفع هذا النوع من الأشخاص إلى الإنزاواء النفسي و المعاناة مع التواجد في الشوارع و كذلك أحيانا في المقاهي إنها شخصية مألوفة بالنسبة لنا نحن رواد الشوارع العمومية الواسعة و كذلك الزقاق الضيقة التي توجد أحيانا و سط المدن الكبرى التي يطحن فيها القوي الضعيف و يحتقر فيها الأغنياء الفقراء الذين يبتلعهم التهميش الطبقي الذي أفرزته عدالة اجتماعية تكاد تكون منعدمة مع بطالة مفروضة على مثقفين لم يجدوا وظيفة لا في القطاع العام ولا الخاص ؛نجد في هذا النص القصصي وصفا دقيقا لهذا النوع من الأشخاص الذي يعرفه الكاتب معرفة جيدة جدا و الخبير بالشارع المغربي يقترب كثيرا من هذا النوع من الأشخاص بل و يعتبر نفسه واحدا منهم لأنه خبير بمعاناتهم و تشظيهم و قبولهم الإنزواء في قعر واقع وسخ فقير مهمش لا قيمة فيه للحياة يقتلون الوقت كما يسحقون بقايا سجائرهم البخسة الثمن ؛يتفنن الكاتب محمد الطايع في بناء قصته حيث اعتمد في بنائها المثقن على تيمة السقوط فبطل القصة يسقط من مكان أعلى إلى مكان أسفل فيصطدم رأسه بالإسفلت و إذ هو بين الحياة و الموت يملي رسالة على صديقه الذي هو الكاتب محمد الطايع و يوصيه بإعطائها لخليلة كانت تعاشره في حقبة من حياته ؛و يشبه الكاتب هذا الموقف بآخر ما يوصي به المحكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم فيه ؛ثم يمضي الكاتب في و صف حقارة حياة هذا الساقط من الأعلى إلى الأسفل إنه سقوط شامل كامل قاتل و لكن هل سينجو بطل القصة منه؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني تأملو معي النص الذي يحمل عنوان (بعد واقعة   
  (السقوط الأليمة)

بعد واقعة السقوط الأليمة..
( قصة قصيرة )
النص القصصي
سيدتي.. من يحكم عليه بالموت، يسألونه في الأفلام إن كانت لديه رغبة أخيرة، والآن.. نزولا عند طلبه، ولما يتحدد مصيره بشكل حاسم، أكتب إليك هذا النص والذي لا علاقة لي به، وذاك أنه يدَّعي أنكما كنتما مقربين جدا من بعضكما، وأنا لا أصدق ذلك، فأنت ما شاء الله سيدة راقية أنيقة، ومن طبقة اجتماعية محترمة، وهو ليس سوى واحد من الرعاع.

لا أعرف ما الذي حدث بينكما تحديدا، لكنه يحسبني كاتبا جيدا، ويرى التعبير عن العواطف مهمة صعبة، ولذلك يريد أن أخبرك هكذا دون مقدمات، أنه قبل سقوطه منذ لحظات، من أعلى ما يتنماه، إلى أسفل ما يخشاه. لم يكن يغسل وجهه إلا مرة في الأسبوع، أما طريقة الغسل الشرعية التي يعتمدها المسلمون لإزالة الجنابة، فإنه أهملها منذ سنوات عديدة، أي منذ كان يصلي، وبالنسبة للمعطف، فإنه يشتري واحدا كل ثلاث سنوات ولا يخلعه إلا بعدما يبتاع آخر. 

المايوهات والفانيلات يلبسها شهرا كاملا، فلا يخلعها إلا إذا أراد الاستحمام، وفي أول الشهر الموالي يبتاع أخرى جديدة، ثم يرمي السابقة في القمامة، والدليل، أنه لما سافر إليك، لم يكن يحمل حقيبة ومع ذلك، يقول: إنك لم تشمي أي رائحة كريهة تنبعث منه، يا سبحان الله! " شوفي بنادم " لا ينقصه إلا ادعاء النبوءة.

يقول: ذكرها بلقائنا الأول، وكيف عانقتني باكية، واسألها هل لاحظت أن من الممكن أن أسبب لها كراهة؟! ثم زعم أنك قبلت ساعديه بعد منتصف الليل بقليل، اعتذارا عن تشابهك في الصور مع أخرى تشبه مغنية مشهورة لم يكن يحبها. ثم من فرط رغبتك في الالتصاق به عمرا بأكمله، طلبت منه وأنتما تبللان أسفل ثيابكما بماء البحر، أن يتلو على مسامعك قصيدة، ظنا منك أن قصائده الجميلة، ربما تكون مجرد سرقات أدبية، هنا يحار فهمي القاصر.. ألم يقل إن التحدث عن العواطف أمر صعب؟ ربما تغير الآن شيء، لن أعرفه لأن المعني به حتما ليس أنا. 

ثم يضيف قائلا: إن رائحة عرقه طيبة مثل رائحة التراب حين تبلله أولى قطرات المطر. وأن مومسا قالت: إن رائحة عرقه عطر رجولي نادر. ثم يضيف، وهذا أمر لا أستبعده: أنه قبل واقعة السقوط الأليمة أو الرحيمة، اعتاد الاستغناء، إلا إذا انهزم أمام رغبته، يكتفي بفاكهة بسيطة في أي سوق شعبي من أسواق طنجة، وحتى إن صادف وحصل على واحدة شهية، فهو في العادة يقنع بما ساقه إليه القدر، لا يمكنه إطلاقا أن يغرف من صحنين في نفس الوقت. لأن بعض الرغبات يعتبرها خيانة، ومن وفائه، إذا سقطت أمامه حيث تتزاحم أحذية العمال البؤساء، يلتقطها ويقبلها دون أن يشعر بالنفور. 

يتذكر أنه ذات مرة: سبقه إلى شفاه آنية درويش سيء المظهر، التصق مخاطه بحوافها، لكنه أطفأ عطشه من بعده خضوعا للضرورة، هو الذي ينسى البسملة في الغالب، ويتحاشاها مع الفواكه المحرمة. في بيته الشبيه بالقبو، كأس وحيدة فوق مائدته الوسخة، تلك الكأس لم تغتسل إطلاقا، كما لو أن السوائل الجديدة تجب بقايا السوائل السابقة، مضيفا ببلاهة غير مضحكة: إذا تخلى أحدهم عن آنية من أوانيه. من الضروري أن يشترط على الذي يأتي من بعده، ألا ينهل منها إلا بعد أربعين يوما، مخافة اختلاط السوائل، أو كما قال جحا: يمكن أن تخرج أواني صغيرة من قلب الكبيرة! وهذا حمق أكيد. المهم ما علينا، آه مهلا.. نسيت المقلاة، تلك التي يعد فيها وجباته الخفيفة، " المسخوط " قال إن الماء لا يلمسها إلا مرة في السنة، كما أنه لا ينفض فراشه، لكي لا يفتقد تلك الرائحة، وكثيرا ما يرقد دون أن يخلع الحذاء، أما الجوارب فإنه يرى أن قدرتها على الوقاية مجرد كذبة. هذا وقد عاش سنوات طويلة، يحمل روث كلاب الحراسة بيديه العاريتين، ينظف جحورها بأصابعه المجردة، ولعله أكل مع الكلب من نفس الوعاء، ولو لمرة واحدة، دون أن ينظف الوعاء سبع مرات بالتراب. 

من غريب ما يوحي به إلي، ويصر أن أنقله إليك - رغم رغبتي في الرفض - أنه لا يعتبر السرير ضروريا، يكفي أن يغمض عينيه ثم يمارس لعنة الوقوف حتى الصباح. أحيانا.. لا يفتر حماسه ثلاث ليال متتالية، فلو أني سألته ما الغاية من كل هذا؟ ولماذا تريد إخبارها به؟ من الراجح أن يصرح وبلا هوادة، أنه لما مارس معك الجنس ليلة كاملة.. تأكدت أن الفحولة ليست في حاجة إلى أطعمة باهظة الثمن، وأن الرجل حين يكون صادقا مع نفسه، يتفادى المواقف الحرجة.

بعد فراقكما، حضرت مضيئة في قلب الظلام بلون لحمك الفضي، فقام قرينه، ومخافة ألا يصدقه، أضاء الغرفة ثم صاح به: أنظر بنفسك، لا أخفي عنك شيئا، نحن في الخلوة البائسة لوحدنا، فاخلد للنوم يا شبيه الطفل المدلل، أنا فقير ولا أملك ما يكفي لكي أجلب لك دمية من أي رصيف قريب. أما أنت فما عليك إلا أن تلمحي قليلا، بأن سعادتك ناقصة، ليصطف على حافة مضجعك طابور من الواقعين تحت تأثير دمدماتك الفاتنة. 

الآن، يوشك أن يعلن توبته، لولا أمل البقاء على قيد الغواية، وكحل وسط يطلب من الله أن يمنحنه فرصة مضاجعة بكر لا ثيب، على نهج السنة الكريمة، فتكون تلك فرصته لكي يلمس النقاء الحقيقي. فإن تطوعت أنا بعدها وكتبت سيرته، سوف تعلم نساء المدينة، أن ليس كل رجل بسيط، هو بالضرورة ذلك البدائي الذي يقع على امرأته كما تقع ذكور البهائم على إناثها، رغم شكله المبعثر، هو رجل رقيق الإحساس رومانسي، ويعرف ما الذي تحبه النساء في الرجال وما الذي تطلبه الرغبة المؤنثة من تنازلات الذكورة.

تزامنا مع إيحاءاته، أجزم أن رأسه ارتطم بالإسفلت، ولعله جن قبل واقعة السقوط الموازية لفعل الكتابة، حيث يشبه الأمر تسابقا مع احتمال الهلاك، من أجل تدارك غفلة ما، فيكون هذا النص أشبه بوصية مستعجلة، لولا تلميحاتي التي أود لو تكون تهما غرامية مباشرة.. ليت بالإمكان تطعيم وقائع هذا السرد بفاجعة خيانة. الخيانة قذارة، الخيانة أكبر أوساخ الدنيا، لكنها للأسف غالبا ما تختفي خلف العطور الزكية المتسلطنة في لا وعينا، لكن ولأنني أنقل ما يوحى إلي بصدق وأمانة، أحافظ على وعد ربما قطعته له، وأجري على الله. مع أنني كاتب ومخيلتي جامحة. 

وفي ختام هذه الرسالة التي لم تختم بعد، أبلغك تماشيا مع رغبته، أنه بعدما سيستعيد عافيته، سيعزم أن يتحول إلى رجل نظيف، شأنه شأن عدد لا بأس به من الناس، لم يكونوا قبل تعرضهم لحوادث سقوط غير مميتة، يقدرون أهمية النظافة. 

( أخبرها ).. يتخاطر معي ذهنيا، أنني إذا قدر الله وعاد عقلي سليما، وجسدي قويا لا يشكو عطلا، خاصة الأعضاء السفلية، سوف أكون شخصا آخر، كيف ذلك سيدتي؟ حقيقة حتى لو سألته، سوف يؤكد لي أنه بعد الوقوف، سوف يغتسل مرة في اليوم، ويتناول أطعمة مختلفة، بعدما يتخلص من ملابسه الرثة ويبتاع أخرى نقية، وأنه سيقوم بتغيير محل سكنه الوضيع، بمسكن أرحب على بعد خطوات من رصيف الدمى المحترمة. أواني المطبخ الجديد ستكون معقمة، وعلب التوابل والفواكه والخضر محفوظة في ركن أمين بعيد عن الغبار والبلل.

لن يكتفي بحلق وجهه وشعر عانته ونتف إبطه، سوف يغتسل أيضا على الطريقة الشرعية، ويصلي لربه بعد سنوات انقطاع طويلة.

لست أدري، لم أفهم الغاية من وراء حديثه هذا، لكنني فيما بعد، حين أنهي مهمتي بشرف، سأمنح نفسي حق الشرود بذهني طويلا، لأرى إلى أي حد تأثرت بكلامه، وهل من السهل أن أنسى قوله: أخبرها أنني في الماضي كنت أخاف الموت على شاكلة كلب مشرد، فيطلع المكلف بتغسيلي على قذراتي، وأني أخشى لقاء ربي وأنا تارك للصلاة.

والآن، سيدتي. ألف شكر لك لو قرأت هذا النص، المهدد سمعتي وهي كل ما أملك، فقد يلصق بي مضمونه مثل تهمة، لذلك أرجو أنك لست ممن يربطون أي نص يقرؤونه بشخص كاتبه. خاصة أن مظهري أنا أيضا ليس على ما يرام. هههههه أقول وليس هذا وقت القهقهة، كثيرا ما نعير أقلامنا تعاطفا للذين يخشون الحديث عن أنفسهم، بينما لا نخجل من تعرية أنفسنا، شعارنا " للي ليها ليها " فنحن عشاق الكتابة.. نجاهر بخطايانا وضعفنا قبل أن نحاسب عليها. أما حوادث السقوط من أعلى، فإنها لا تتركنا أحياء عبثا، إنها منحتنا الإلهية لكي نموت أكثر نقاء، حين ينتهي رصيدنا من الفهم، وفيما بعد.. هنا أو هناك، حين يكشف الغطاء عن ملابسات سقوطنا، يحدث ذلك شئنا أم أبينا.
محمد الطايع

د. مكرم محمد

........ سنطوى المسافات ......... عشقتك حين لاح طيفك بالخيال عشقتك و أعلم أنى عشقت المحال كم حالت مسافات بيننا و بحار فهل لنا يوماً ننعم بـ...