✨ «الساحرةُ تَرْتِيلَةُ عشقٍ كونية، تتداخلُ فيها الأسطورةُ بالفنِّ والحلمُ بالطبيعة، فتغدو الحبيبةُ وطنًا ومعبودةً، ويصيرُ العاشقُ صلاةً تمشي على الأرض.»
السَّاحِرَة
أَبْحَثُ عَنْكِ فِي المَنْفَى
عَلِّي أَلْقَاكِ فِي الوَطَنِ،
أَسْتَحْضِرُكِ فِي ذَاكِرَتِي
عَلِّي أَرَاكِ فِي الحُلْمِ.
أَيَّتُهَا المَعْبُودَةُ،
أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي نَبْضِ الأَعْمَاقِ،
مَا بَيْنَ البَرِّ وَالبَحْرِ عِنَاقٌ،
مَوْجٌ وَزَبَدٌ،
وَهَوَاكِ يَا فَاتِنَتِي قَدْ فَاتَ الحَدَّ.
مَجْنُونًا أَتْبَعُكِ أَعْمَى لَيْلَ نَهَارٍ،
أَنْتِ السَّيِّدُ، أَنْتِ المَوْلَى،
أَنْتِ مَعْبُودَةُ كُلِّ الأَمْصَارِ،
أَنْتِ عِشْتَارُ.
سَدَنَتُكِ كَثِيرٌ،
عَطَاءُ العُشَّاقِ لَدَيْكِ وَفِيرٌ،
وَشَهِيدُكِ فِي كُلِّ مَزَارٍ.
لَوْلَاكِ مَا خُضْتُ البَحْرَ،
مَا رُمْتُ الإِبْحَارَ،
دُونَ شِرَاعٍ، دُونَ قَرَارٍ،
دُونَ خِيَارٍ يَحْمِلُنِي إِلَيْكِ الشَّوْقُ.
تَتَقَاذَفُنِي أَمْوَاجُ الأَفْكَارِ،
عَنْكِ سَأَلْتُ الرُّهْبَانَ وَالأَسْفَارَ،
وَالنُّدْمَانَ سَأَلْتُ عَنْكِ وَالسَّمَّارَ.
اِنْتَظَرْتُكِ قُرْبَ المَحَطَّاتِ،
قُرْبَ المَطَارَاتِ،
قُرْبَ المَرَافِئِ.
أَبْصَرْتُكِ فِي وُجُوهِ الحُسْنَوَاتِ
تُذْكِينَ النَّارَ.
رَكِبْتُ مِنْ أَجْلِكِ
كُلَّ الحَافِلَاتِ،
كُلَّ الطَّائِرَاتِ،
كُلَّ القِطَارَاتِ،
كُلَّ الجَوَارِي المُنْشَآتِ.
قَطَعْتُ كُلَّ المَسَافَاتِ
عَلِّي أُلَاقِيكِ فِي بَعْضِ الأَقْطَارِ،
عَلِّي أَقْتَبِسْ مِنْكِ الأَنْوَارَ.
أَنْتِ قَصِيدَةُ حُبِّي المُنْتَظَرَةُ،
أَنْتِ شَهْرَزَادُ الأَشْعَارِ،
أَنْتِ حَدِيقَةُ أَزْهَارِي النَّضِرَةُ،
وَلِقَلْبِي أَنْتِ الأَمْطَارُ.
أَنْتِ فِي وَطَنِي الشَّجَرَةُ،
وَثِمَارُكِ كُلُّ الأَحْرَارِ.
كُلُّ المَعْبُودَاتِ أَرَاهَا تُجِلُّ خُطَاكِ،
كُلُّ المَوْجُودَاتِ وَكُلُّ المَخْلُوقَاتِ،
كُلُّ المَنْحُوتَاتِ وَكُلُّ الأَيْقُونَاتِ،
فِي "اللُّوفْرِ" أَلْقَاكِ،
فِي سِحْرِ "المُونَالِيزَا"،
فِي كُلِّ لَوْحَاتِ الرَّسَّامِينَ أَرَاكِ.
مَنْقُوشٌ قَلْبُكِ
فَوْقَ لِحَاءِ الأَشْجَارِ،
وَفَوْقَ لُجَيْنِ المَاءِ.
مَكْتُوبٌ اسْمُكِ
فَوْقَ الرَّمْلِ الحَافِي،
وَفِي الغَابَاتِ الخَضْرَاءِ.
مَنْحُوتٌ جِسْمُكِ
فِي الذَّهَبِ الصَّافِي،
وَفِي الأَحْجَارِ الصَّمَّاءِ.
مَرْسُومٌ وَجْهُكِ
فِي عُيُونِ الشَّاشَاتِ،
وَفِي الكَلِمَاتِ العُصْمَاءِ.
مَسْمُوعٌ صَوْتُكِ
فِي عَزْفِ الأَوْتَارِ،
وَفِي كُلِّ غِنَاءٍ.
أَنْتِ الرَّحِمُ الأَوَّلُ،
وَأَنْتِ المِيلَادُ،
أَنْتِ الحِضْنُ الدَّافِئُ،
وَأَنْتِ الزَّادُ.
أَيَّتُهَا المَعْبُودَةُ،
يَا سَاحِرَةَ لُبِّ الشُّعَرَاءِ:
كُنَّا فِي البَدْءِ، وَكَانَ المَاءُ،
فِي الجَنَّةِ كُنَّا طُلَقَاءَ،
يَسْكُنُنَا جَهْلُ الأَشْيَاءِ.
عَلَّمَنَا الأَسْمَاءَ، وَلَكِنْ…
تُفَّاحُ البَحْثِ عَنِ المَعْنَى
أَيْقَظَ فِينَا الطِّفْلَ النَّائِمَ.
حَبَوْنَا، مَشَيْنَا،
تَحَسَّسْنَا خُطَانَا،
خَرِيفُ الأَوْهَامِ عَرَّانَا،
فَانْكَشَفَ الظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ.
حَفَّتْنَا الرَّحْمَةُ، آوَتْنَا،
حَضَنَتْنَا بِأَدِيمِ الأَرْضِ،
وَابْتَدَأَتْ رِحْلَتُنَا الأُولَى،
وَابْتَدَأَ التَّرْحَالُ الصَّعْبُ.
تُفَّاحُ العِشْقِ سَيُغْرِينَا،
تُفَّاحُ الحُلْمِ سَيُدْنِينَا.
مُذْ سَاحَ الشَّوْقُ سَرَى فِينَا،
مُذْ شَبَّ أَقَضَّ لَيَالِينَا.
البَارِحَةَ،
زَارَنِي طَيْفُكِ فِي الحُلْمِ:
كُنْتِ عَرُوسًا،
وَعَرْشُكِ كَانَ فَوْقَ المَاءِ،
أَنْوَارُ العَالَمِ فِي عَيْنَيْكِ،
وَقَلْبُكِ أُسْطُورَةُ كُلِّ الأَحْيَاءِ.
هَفَوْتُ إِلَيْكِ،
وُرُودِي فَاحَتْ بَيْنَ يَدَيْكِ،
وَازْدَانَتْ لِي كُلُّ الأَشْيَاءِ.
سَاحِرَةً كُنْتِ،
وَكُنْتِ القَيْدَ وَكُنْتِ الأَسْرَ،
البَحْرُ وَمِنْكِ مَدَاهُ البَحْرُ،
النَّهْرُ وَمِنِّي إِلَيْكِ النَّهْرُ،
أَشْجَارُكِ فِي وَاحَاتِي خُضْرٌ،
مِنْ دُونِكِ كُلُّ العَالَمِ قَفْرٌ.
فِي غَيْرِكِ مَا نَظَّمْتُ الشِّعْرَ.
أَنْتِ المَعْبُودَةُ
فِي السِّرِّ وَفِي الجَهْرِ،
أَنْتِ المَعْبُودَةُ
عِنْدَ الصَّحْوِ لَحَدِّ السُّكْرِ.
أَنْتِ فَرَاشَتِي المُدَلَّلَةُ طُولَ العُمْرِ،
رَفْرِفِي فِي حُقُولِي…
رَفْرِفِي.
سَرِّجِي مَوَاطِنَ رُوحِي،
اِتَّخِذِي مِنْ نَبْضِي حِصَانًا…
اِرْكُضِي،
اِرْكُضِي.
أَرْضِي مُذَلَّلَةٌ،
وَرِيَاضُ كِيَانِي بُسْتَانٌ.
خَرِيطَةُ جَسَدِكِ فِي الحُلْمِ رِهَانٌ،
خَرِيطَةُ حُبِّكِ فِي القَلْبِ أَمَانٌ.
أَنْتِ السِّجْنُ،
وَأَنْتِ السَّجَّانُ،
وَأَنَا…
مُذْ هِمْتُ بِكِ وَلْهَانُ.
فِي لُجِّ قَصِيدَتِي المُنْتَظَرَةِ:
أَنْتِ البَحْرُ،
وَأَنْتِ المَرْكَبُ وَالرُّبَّانُ.
أَنْتِ الحَرْفُ،
وَأَنْتِ اللَّفْظُ،
وَأَنْتِ المَعْنَى،
وَأَنَا المَرْفَأُ وَالشُّطْآنُ.
خُذِينِي إِلَيْكِ،
ضُمِّينِي بَيْنَ يَدَيْكِ،
وَامْنَحِينِي السَّلَامَ…
اِمْنَحِينِي السَّلَامَ.
بقلم ✍️ سليمان بن تملّيست
جِرْبَة – 12/08/1995