mercredi 20 août 2025

بقلم الشاعر والمصوّر الفوتوغرافي الأسعد بكاري

اليوم العالمي للتصوير الفوتوغرافي

التصوير الفوتوغرافي ليس مجرد وسيلة لتوثيق اللحظات، بل هو رحلة إنسانية طويلة بدأت منذ قرون. فقد حلم الإنسان منذ القدم بأن يوقف الزمن، أن يجمّد المشهد أمامه ويحفظه كما هو دون أن يتغيّر. ومع بداية القرن التاسع عشر، تحوّل هذا الحلم إلى حقيقة، حين تمكّن الروّاد من تثبيت أول صورة باستخدام الضوء والمواد الكيميائية، رغم بساطتها وضعف جودتها، لكنها فتحت بابًا جديدًا للفن والمعرفة والتاريخ.
تطوّر التصوير بسرعة مذهلة، فبعد الصور الأبيض والأسود ظهرت الألوان، وبعد الكاميرات الضخمة المعقّدة جاءت الكاميرات المحمولة، ثم ولادة التصوير الرقمي الذي غيّر مفهوم الصورة وأتاح للعالم حفظ ملايين الذكريات في جهاز صغير. ومع بروز الهواتف الذكية، أصبح التصوير متاحًا للجميع، لكن يبقى سرّ الصورة الحقيقية في عين المصوّر، وفي إحساسه بما يلتقط، وفي لحظة الصمت التي يختارها ليحوّلها إلى أبدية.
التصوير ليس آلة، بل لغة بصرية تتجاوز الحروف. هو فنّ يمزج بين الضوء والظلّ ليحكي قصصًا قد تعجز عنها المجلدات. صورة واحدة يمكن أن توثق تاريخًا، تشهد على حدث، تخلّد فرحًا أو حزنًا، وتبقى حيّة حتى بعد أن يرحل أصحابها. إنّها مرآة للزمن، وشاهد على الحقيقة، وجسر بين الماضي والمستقبل.
واليوم، في هذا العصر الرقمي، يواصل التصوير أداء رسالته العميقة. فهو ليس مجرّد هواية أو مهنة، بل مسؤولية في أن نحفظ لحظاتنا الإنسانية وننقلها للأجيال القادمة. إنّ المصوّر الفوتوغرافي هو شاهد عصره، وفنان يحمل رسالة، يرى ما لا يراه الآخرون، ويهدي الناس صورًا تحمل في طياتها الحياة بكل تناقضاتها وجمالها.
وفي الختام، يبقى التصوير الفوتوغرافي أكثر من فنّ، إنّه ذاكرة إنسانية حيّة لا تموت.

 بقلم الشاعر والمصوّر الفوتوغرافي الأسعد بكاري