بقلم: فؤاد زاديكي
المَقولةُ الشعبيةُ "النّسوانْ ما إلْهُنْ أمانْ" ليستْ مجرَّدَ جملةٍ عابرةٍ أوْ مثلٍ يُتَداولُ بينَ الناسِ، بلْ هيَ انعكاسٌ لثقافةٍ عميقةٍ الجذورِ تهدفُ إلى تهميشِ المرأةِ و تشويهِ صورتِها. هذا النّوعُ منْ الخطابِ، الذي يُساقُ في العديدِ منْ المجتمعاتِ العربيةِ، يمثّلُ أحدَ أوجهِ العنفِ المعنويِّ ضدَّ المرأةِ، و يسعى إلى تقويضِ مكانتِها و حقوقِها. إنَّها محاولةٌ لترسيخِ فكرةِ عدمِ الثقةِ في المرأةِ، و تصويرِها كَكائنٍ ضعيفٍ أوْ غادرٍ أوْ غيرِ جديرٍ بالاحترامِ. هذا التّفكيرُ المتخلّفُ أخلاقيًّا و إنسانيًّا لا يرى في المرأةِ شريكةً في الحياةِ، بلْ خصمًا يجبُ الحذرُ منهُ أوْ كائنًا يجبُ السُيطرةُ عليهِ. إنَّ هذهِ النظرةَ الدونيةَ لا تكتفي بتحقيرِ المرأةِ، بلْ تتعدّاها إلى التأثيرِ السلبيِّ على تطوّرِ المجتمعِ بأكملهِ.
إنَّ السؤالَ، الذي يطرحُ نفسهُ هوَ: لماذا تكونُ المرأةُ دائمًا محطَّ انتقادٍ لاذعٍ؟ و ما الذي يدفعُ هذهِ المجتمعاتِ إلى إلقاءِ اللومِ عليها في كلِّ صغيرةٍ و كبيرةٍ؟ السّببُ الأساسيُّ يكمنُ في عقليةٍ ذكوريةٍ متسلطةٍ، ترى في وجودِ المرأةِ القويِّ تهديدًا لسلطتِها. فالمجتمعاتُ، التي لا تؤمنُ بالمساواةِ، تخشى منْ أنْ تحصلَ المرأةُ على حقوقِها، لأنَّ ذلكَ قدْ يعنيَ تغييرَ ميزانِ القوى القائمِ منذُ قرونٍ. لذلكَ، يتمُّ استخدامُ العباراتِ السلبيةِ لتشويهِ صورتِها، و تبريرِ استمرارِ ظلمِها. هذا الخطابُ السلبيُّ يُصبحُ أداةً للتحكّمِ، و يمنعُ المرأةَ منْ تحقيقِ ذاتِها و المشاركةِ بفاعليةٍ في بناءِ مجتمعِها.
و لكنْ، ألا يدركُ هؤلاءِ أنّهمْ يوجّهونَ سهامَهُم نحو مَن هيَ أساسُ هذا المجتمعِ؟ إنَّ المرأةَ هيَ الأمُّ و المُربيةُ، التي تَغرسُ فينا القيمَ و الأخلاقَ، و هيَ المعلّمةُ الأولى، التي تُقدّمُ لنا أولى دروسِ الحياةِ. إنَّها مصدرُ الحنانِ و العطفِ و القوّةِ، التي نحتاجُها لننموَ و نزدهرَ. فكيفَ يمكنُ لمجتمعٍ أنْ يسخرَ منْ مصدرِ وجودِهِ؟ و كيفَ يمكنُ لهُ أنْ يُقلّلَ منْ شأنِ مَن هيَ التي تربّي الأجيالَ القادمةَ؟ إنَّ استمرارَ هذهِ النّظرةِ الدّونيةِ تجاهَ المرأةِ هوَ دليلٌ على خللٍ فكريٍّ و أخلاقيٍّ عميقٍ.
إلى متى ستستمرُّ هذهِ المجتمعاتُ في محاولاتِها لتقويضِ المرأةِ والحدِّ منْ إمكانياتِها؟ إنَّ الوقتَ قدْ حانَ لإعادةِ النظرِ في هذهِ القناعاتِ الباليةِ، التي لمْ تعدْ تتناسبُ معَ متطلباتِ العصرِ. المجتمعُ الذي لا يُقدّرُ المرأةَ و يُعطيها حقوقَها الكاملةَ، هوَ مجتمعٌ محكومٌ عليهِ بالفشلِ و التّخلّفِ. فتقدّمُ الأممِ يُقاسُ بتقدّمِ نسائِها، و المجتمعُ لا يمكنُهُ أنْ يطيرَ بجناحٍ واحدٍ. لذلكَ، يجبُ على الجميعِ أنْ يُدركَ أنَّ تحريرَ المرأةِ هوَ تحريرٌ للمجتمعِ كلّهِ منْ قيودِ الجهلِ و التخلفِ.