لا في (عير) النقد ولا في( نفير) القصيد
***********"*********************
الغزل هذا الغرض الشعري الجميل الذي كتبت به أجمل وأرق القصائد في الشعر العربي قديما وحديثا، نجد الشاعر فيه يرصد ادق انفعالات العاشق فيصف حيرته ودهشته وتعلقه بمحبوبه ويصف حرارة الشوق للقاء المعشوق واللهفة إليه وحالات العشق والهيام واليأس من الوصال أو يصف مشاعر اللقاء وتأجج عواطف العاشق ورغبته ورجاءه وكل ما يتعلق بتفاصيل الحبيب وجماله وصدوده و دلاله وقسوته ورقته وبذله . باختصار شديد قصيدة الغزل هي عالم قائم من العواطف والمشاعر والرغبات المتأججة والأمل واليأس والرجاء والإحباط وغيرها تصاغ بأسلوب ساحر وكلمات منتقاة وموسيقى متفردة وإيقاع أخاذ وصور محلقة مع تناغم في التعبير ورهافة في الإحساس و سحر في الوصف والتشبيه وجمالية في رسم أدق وأرق الهواجس والرؤى والخيالات
هذا العالم الساحر يتحول الى عالم من البؤس والشقاء والسقوط في التفاهة و الركاكة و والانحطاط على يد من لا يحسن التعامل مع الرقة والعذوبة والترف والجمال
تخيل انك تمتلك حديقة غناء فيها من الأزهار والورود ذات الأريج الفواح والأشجار المورقة و المياه المترقرقة والشلالات المتدفقة و أصناف الثمار والفواكه المشتهاة من كل زوج بهيج ما يدهش الناظرين ويسرهم من تناسق الألوان وتعددها وتضوع الاريج والعطور وتفردها .وأصناف الطيور والبلابل التي تشدو بأعذب الألحان وأرق النغمات .
ثم ….…. يدخل فجأة عنز أجرب يتقافز على الارائك . لا يستقر في مكان ، يعيث بالأغصان قضما ،و يخضد الأزهار خضما ، ويعلف الورود علفا و لقما ويطلق بعره على الزرابي المبثوثة والارائك المصفوفة و يتبرز في الجداول الرقراقة ويتبول في المياه المترقرقة يحيل هذه الجنة خرابا ، فيذرها قاعا صفصفا ،
هذا تماما ما فعله شيخ النحو وموسيقار الشعر العربي وهو يتحف قرائه بقصيدة باردة متكلفة رديئة النسج عقيمة المعاني متهافتة التعابير ركيكة الألفاظ سقيمة الأفكار متهاوية الأركان لا تجد فيها تعبيرا جميلا ولا إيقاعا لذيذا ولا خيالا مجنحا .بل تفاهات تزكم الأنوف وتؤذي المشاعر وتبلد الإحساس وتقتل الروح وتخنق الموهبة وتبعث على الاشمئزاز والنفور .
القصيدة التي نشرها حسن مغازي على صفحته -[وهي منشورة أيضا في مجموعته الشعرية المسماة (أريج البحر)المنشور في ٢٠١٧ ] - أبياتها ثلاثمائة بيت مقسمة إلى عشرة مقاطع وبكل مقطع ثلاثون بيتا تسلسلت القافية فيها تسلسلا الفبائيا .بمعنى ان الناظم حسن مغازي التزم هذا الترتيب ظنا منه أنه يقدم عملا إبداعيا . بيد انه اثقل نفسه و كلفها ما لا نفع من ورائه . ولا انوي في هذا المقال ان احلل القصيدة بيتا بيتا فهذا يصيبني بالغثيان .ولكني سأكتفي ببعض الملاحظات العابرة .والقصيدة بعد ذلك لا تستحق الاهتمام ولا أشجع القارئ الكريم على قراءة مثل هذه
( التفاهات ) لأنها ستصيب القارئ حتما بالتسمم الفكري وتعكر صفاءه الروحي وتقتل لديه كل موهبة تماما كما يفعل الاكل المسموم بمن يتناوله .
القصيدة من البحر البسيط (الذي يصر حسن مغازي على تسميته [ النغم ] وكأنه يستدرك شيئا فات الفراهيدي أو لم يعرف دلالته ) وهي يائية مقيدة ومتراكبة القافية ( ومعناه أن القافية تشتمل على ثلاث حركات بين ساكنيها ). وهي فوق ذلك لزومية أي أنه التزم حرفا قبل الروي . وقد التزم اللام حرفا .
والشيء اللافت للانتباه والذي يثير عجب المتعجبين هو سوء اختيار حرف الروي وتهافت إيقاع القافية حتى ليخيل للقارئ أن ناظم القصيدة هذه لم يتجاوز مرحلة الدراسة الاعدادية ! . ف القوافي المقيدة لا تشكل إلا ١٠٪ من مجموع ما نظم من الشعر العربي وأن ما يقرب من ٩٠٪ من الشعر العربي جاء محرك الروي اي مطلق القافية كما أشار إلى ذلك الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر . والأمر الٱخر هو أختيار الفتحة قبل الياء وهذا من الندرة بمكان ويجعل الكلمة صعبة النطق لعدم تجانس الفتحة مع الياء التي يناسبها الكسر قبلها . فإذا أضفنا لهذه القافية المتهافتة تركيبا القيد التافه وغير الضروري تماما وهو ترتيب القوافي ترتيبا ألفبائيا تكون دائرة التهافت والتفاهة قد اكتملت تماما وبذلك تسقط القصيدة موسيقيا بعد سقوطها في استحضار المعاني السامية والصور الشعرية و الخيالات المتسامية والعواطف الدافئة . و إذن ماذا تبقى لنا من متعة الشعر ؟ لا شيء غير الغث من الألفاظ والسقيم من الخيال والباهت من الصور والرديء من النظم والمبتذل من اللفظ .
واختيار البحر البسيط مع القافية المقيدة هو سقوط آخر لموسيقار الشعر العربي ومايسترو النغم .و النظم على البحر البسيط بقافية مقيدة يكاد ينعدم في الشعر العربي ، يقول الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر ( والقافية المقيدة تكثر في بحر الرمل بنسبة تفوق أي بحر آخر … وقد تجيء هذه القافية بنسب قليلة في بحور مثل : الطويل ،الرجز ، المتقارب ، السريع ، وتكاد تنعدم في البحور الأخرى . ) فما الذي حملك يا فارس الشعراء على هذا المركب الوعر غير الجهل بموسيقى الشعر وانعدام الموهبة والفشل الذريع في فهم ما قد حملته على ظهرك من أسفار و بئس مثل القوم .
بقي شيء أخير وهو الاعتذار من الاصدقاء الكرام لأني ربما أعكر صفو صباحهم الجميل باختيار هذه القصيدة المتعفنة شكلا ومضمونا ولكن عذري في ذلك هو تحذيرهم من مخاطر هذه السنون وتنبيههم إلى ما يقوم هذا الأستاذ من تخريب للذائقة الشعرية وقتل للمواهب وحرب يشنها على المبدعين
واليكم نص منشور الدكتور حسن مغازي مع رجائي بقبول اعتذاري الشديد من حضراتكم ودمتم بخير
*****************
[ (فن اللزوميات)فى قرض شعر العربية مقصور على(فرسان الشعراء)؛ هو لا يكتفى بترويض الفرس فى الطريق المعبّد، لا يكتفى بما يلزم الشاعر من(أنغام الشعر العربى)، إنما يسمو إلى ترويض الفرس فى القُنن والهضاب، يلزم نفسه بما لا يلزمه به القريض؛ تلك سمة اقتدار، لله در أبى العلاء المعرى الحورانى الشآمى فى نشره ذلك الفن.
لنا فى ذلك الفن جولات، منها قصيدتنا(كاسات الغرام)، وهى من عشرة مقاطع، فى كل مقطع ثلاثون بيتا، نعم، إجمالها ثلاثمائة بيت، هى(يائية)مقيدة، هى(على نغم البسيط)، هى(متراكبة القافية).
لكنها فوق ذلك(لزومية)فى(التزام اللام)قبل الروى، و(التزام)فتحة اللام، وفى(التزام)ذلك الترتيب ألفبائيا قبل تلك اللام المفتوحة، وذلك تفسير تكوينها من مقاطع ثلاثينية؛ فأصوات الألفباء العربية ثمانية وعشرون بثمانية وعشرين بيتا، يسبقها بيت افتتاح فىى كل مقطع، ويلحقها بيت اختتام.
المقطع الثالث منها:
يا لهفتى ثمِلا، كاسى فراولةٌ
من ثغرها تتدلّى فى الغرام إلَىْ
فى قُبلتى سَكِرَتْ أعمارُ نشوتِنا
قد أرعشَتْ جسدى قد أطلقَتْ سُبُلَىْ
يطغَى رُضابُ شفاهٍ فى ذُرا شَفَتَى
تجتاح عقلىَ بالآهاتِ وا خَتلَىْ
عقلى وقلبىَ فى نهديك يختبئا
ن السونتيانُ أبَى إلا ذُرا مَثَلَىْ
يا رشفتى غِردًا فى نار حلْمتِها
هدّت رزانتَنا، قوضْتِ لى خجلَىْ
أقدمْتُ رَعْوَنَةً إقدامَ مقتحمٍ
فى جيدها قُبَلًا، نورتِ لى زُحَلَىْ
والخالُ فى كَتِفٍ يغريكِ يا شفتى
سُمّاناتان هنا، أسكرْتُما دخَلَىْ
والنحْرُ مرتعشٌ، والكفُّ منسدلٌ
والأنفُ مشتهقٌ، والأذْنُ فى عَدَلَىْ
رَخْصٌ أناملُها، نهْرٌ ضفائرُها
خمرٌ مسائلها، يا نارُ، يا جذَلَىْ
يا جنةَ عَظُمَتْ يانورَ ظُلمتِها
أرغيتِ لى جَمَلى، عيشتِنى(تَرَلَىْ)
ماذا وقد علِقَتْ بالنار عاطفتى
تجتاحُها ضرَمًا، أحرقْتِ لى نُزُلَىْ
أنتِ البهاءُ، وأنتِ العشقُ أجمعُهُ
أنتِ الغرامُ، وأنتِ النارُ ياعسَلَى
منذ اعتليتُ ذرا الصهْواتِ يا فرَسى
كلُّ النساءِ أتينَ الكِذْبَ، وا وشَلَىْ
حتى الصباحِ رنَتْ عيناكِ فى هُدُبى
ذاب النهارُ، وقد أغربْتِ لى أُصُلَىْ
العلم يأسرنى فى مُغدِقاتِ نُهًى
أنسى بها غزلى قد هذبَتْ عضلَىْ
يا نشوةً سبحتْ فى العقل معلنةً
أنى لها أبدًا قد هدّْمَتْ خطلَىْ
كم فكرةٍ دَهِشَتْ فى عمق ذاكرتى
أخرجتها سلِسًا مستأصلًا عظَلَىْ
أنغامُ مؤتلقِ الشعر الجليل سَمَتْ
فوق المنصة يا عِلْمًا أناخَ علَىْ
مدّ الخليلُ يدًا بالعهدِ واثقةً
قبَّلْتُها نغمًا فاستأصلَتْ زغَلَىْ
عاهدتُهُ دمِثًا أنى له خَلَفٌ
بسْماتُهُ خلَطَتْ فرضِى بمنتفلَىْ
فى(الصرف)ذائقتى قد أُلْهِمَتْ فِكَرًا
يزهو بها سَلَفى حِلّى ومنتقلَىْ
أما بـ(نحوك)يا جدى(الخليل)فقد
رسخْتُ قاعدتى بالعهد فى شكَلَىْ
فى كل(قاعدةٍ)أطلقْتُ ذائقتى
فاستكشَفَتْ عللا يا ويحَ يا عِللَى
تقريب(قاعدة)من أختها كشفَتْ
كل(التناقض)هذا منتهى أملَىْ
طهرْتُ قاعدتى يا(سيبويهِ)وقد
عض(الخليل)على جهدى و(عنعن)لَىْ
و(النقدُ)رغردَ واهتزتْ مِنصّتُهُ
يا خيلَهُ غُرَرَ الجبْهاتِ يا صهلَىْ
عيدانُ مِنبرِهِ غنّت(مقام صبا)
قالت(فداكَ لقد طببْتَ لى حوَلَىْ)
(آى لايْنَرِى)غرٍدٌ والرِّمْشُ سيفُ رِضًا
يا مِرْودًا كحلت نبْضاتُهُ مَيَلَىْ
من مبثوثات ديواننا(أريج البحر)المنشور فىى 2017، حرف للنشر والتوزيع، مدينة نصر، القاهرة.]