lundi 7 octobre 2024

كما تدين تدان
تزداد السعادة مع تقدم العمر، لغزا يتداوله الناس في القرى، بعيدا عن المدن الصاخبة بعد الأرض عن السماء.
قرر "سامي"، بعد عودته من الهجرة، رعاية والده المسن لتجنب تنصيبه في دار التقاعد وتلافي تكاليف التمريض الباهظة.
لكن خلف الأبواب المغلقة، الحياة اليومية بعيدة كل البعد عن السهولة.
لقاؤه مع أبيه بعد سنين الدراسة أقلقه... يراه "يعبر الحاضر غائبا بينما يعتذر -بالفعل- عن عدم التواجد بينهما"... طال الزمن أو قصر، يقتصر عيش أبيه "من السرير إلى النافذة، ثم من السرير إلى الكرسي بذراعين ثم من السرير إلى السرير".
كان "سامي" يظن أن إقامته عند أسرته ستكون وقتية. ولكنها طالت حتى سنحت له فرصة الهجرة للتدريس في بعض البلدان العربية والإفرنجية.
وجاءه الخبر المؤلم... فرار إخوته بعد موت أمهم وتركوا الأب وحده في المنزل للكآبة بعد عزه وثراه....
فرضت الحالة، نفسها عليه، فعاد بسرعة من الغربة، وتحول من مدرس إلى ممرض وطبيب وعالم نفس وطاه وعامل نظافة... وقارئ كتب
-- عائلتي أنا أكرهك! همس في طيات قلبه.
عائلتي ، بيوت موصدة، و أبواب مغلقة، وممتلكات سعادة وهمية، ردد بقوة ما "كتب أندري جيد في" مجلة الأطعمة الأرضية ". وأضاف..." إذا كان أبي لا يزال على قيد الحياة، فذلك لأنه بقي عائشا في المنزل ".
كان هناك وضوح في البداية مع أمه، أن يقدم وقته بدوره لوالده، بعد عدة سنوات قضاها في التدريس في إنجلترا ومصر والمملكة العربية السعودية... قد عاد إلى الدار لمشاركة السنوات الأخيرة من حياته مع والده، البالغ من العمر 80 عاما وما زال بصحة جيدة." كان التواجد معه وسيلة لشكره على كل التضحيات التي قدمها من أجله لقد كان أب متواضع، فعل كل شيء ليوفر له قيمة"، كما يقول. و اليوم اكتفى بدوره كمقدٌم رعاية، اكتشف ذلك فقط عندما تم تشخيص والده بالسرطان." لم يكن يريد العلاج الكيميائي.-- مع والدتي نظمنا أنفسنا لنكون حاضرين في جميع الأوقات... ومرافقته بِسلام قَدْر الإمْكان حَتَّى النِّهاية، بَعْد ذَلِك بِعامَيْنِ ذَهبَت أُمِّي لِملاقاة المصْطفى. وهجّ إِخوَتي وبقيتْ وَحدِي عانسًا دُون أَصدِقاء... ثَلَاث مَرَّات فِي اليوْم اِقْرأ لَه فقْرَات مِن كتب" أخوان الصَّفَا" فلسفته اَلمُفضلة، قِراءة بَطِيئَة تُساعِده على النَّوْم...
وَفِي يَوْم مِن الأيَّام، طالعَني بِأمْنيته الدَّفينة "لَمس ماء البحْر" لِأَنه لَم ير البحْر إِلَّا فِي الصُّور أو التِّلْفاز. وكانتْ المغامرة.
يُريدهَا رحلة على القدميْنِ طُول خطِّ السِّكَّة الحديديَّة لِيسْمع صَوْت القطَار وَيزُور ضَيْعات صِبَاه... فَكَان لَه مَا نوى. عِشْتُ معه مشوارًا لَا يُمحَى مِن الذَّاكرة. رأيْتُ أَبِي وَكَأنَّه طِفْل يَقفِز فَوْق حديد السِّكَّة وَعلَى رِمَال الشَّاطئ وَكأَن الصِّغر رجع... ثُمَّ أخذ يَشرَب بِلهْفة ماء البحْر المالح وَكَأنَّه يُريد الشِّفَاء.
وَ فِي إِحْدى اللَّيالي، بَقيَت فِي مَكانِي أُتَابِع تَنفُّس أَبِي النَّائم... لَوحَة مِن سِمْفونيَّة زُهَير التَّنَفُّس... حركة الجسْم مِعرَاج وإسْرَاء، صُعُود وَهبُوط... ضَحكَت على نَفسِي وَأَغمضَت عَينِي لِأَرى أَبِي واقفًا أَمامِي يقْبلني وَدمُوعه تَغرغَر. شُكْرًا... شُكْرًا... وَرجَع إِلى سَريرِه... نام... فسَقطَت رِسالة مِن يديْه:
قِصَّة كمَا تدين تُدَان...
«أَخبَرت مَرأَة زوْجهَا أَنهَا لََا تُريد أن يُقيم والده مَعهَا فِي اَلمنْزِل وأنَّهَا لََا تُريد أن تُلبِّي اِحْتياجاته وَأنَّه يُسبِّب لَهَا الحرج عِنْد زِيارة صديقاتهَا لَهَا بِسَبب مَا يُعانِيه مِن النِّسْيان، وكانتْ تَتَذمَّر بِشَكل دَائِم بِشَأن الوالد. حَتَّى قَرَّر الزَّوْج إِيدَاع أبيه فِي دار المسنين.»
وَفِي آخر اَلقِصة، سَطَّر أَبِي بِخطِّ أَحمَر الفقْرة التَّالية وَكَأنَّه لََا يُريد عَيْش هَاتِه النِّهاية: «وعنْدَمَا كان يَدُس مَلابِس وَالدِه فِي الحقيبة تساءل ، لماذا حمل ابيه معه قِطْعَة مِن الإسْفنْج ؟ لِينام عليْهَا فِي مَركَز الرِّعاية ، أَخبَره اِبْنه اَلصغِير المرافق له. و أمره بِأن يَترُك تلك القِطْعَة وَأصَر على ذَلِك، مِمَّا أَثَار عجب الأب وَدفعِه لِسؤال طِفْلِه اَلصغِير لِماذَا تُريد هَذِه القطْعة؟ فَأَجاب اَلصغِير بِبراءة: أُريد أن أَحتَفظ بِهَا حَتَّى أَضعَها لَك عِنْدمَا آخذك لِمرْكز رِعاية العجٌز عِنْدمَا تَكبُر لِتَجد مَا تَنَام عليْه.»
قَرَأتهَا على الفايسبوك حَتَّى الصَّبَاح والْغصَّة تُقْلقني:. لا! لا! والف لا! نم يَا أبي مرتاحًا... أطال الله عمرك، سَتمُوت هُنَا...
عَبْد الفتَّاح الطَّيَّاري 
مرسيليا - فرنسا

**عازفة ناي *** كانت جالسة في حقول ..........صمتي  عازفة ناي بقيت.............  أنسط لي صوت .......الأرض شجن يحزنني يمتلك ني شوق الغريب صوت...