dimanche 22 décembre 2024

بين المخ والأعضاء تبقى ذاكرة من الأفعال /// بقلم الشاعر جمال القاضي

بين المخ والأعضاء تبقى ذاكرة من الأفعال
بقلمي جمال القاضي

قال تعالى : ( ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )
صدق الله العظيم

اللقاء الثاني
انتهينا في اللقاء السابق بالمقارنة بين المخ والعقل، وبينا الفرق بينهما وقلنا أن المخ هو مجموعة من الخلايا والتلافيف العصبية المرتبة بعناية بالغة ترتيبا يجعلها دائما في اتصال فيما بينها، هذا الاتصال والتواصل ونقل الإشارات الكهربية يجعلها تتخذ قرارا بالإجماع، هذا القرار الناتج عن هذا التواصل والصادر بإشارة من جميع هذه الخلايا والتلافيف هو بمثابة العقل كما تم توضيح ذلك من قبل، هذا العقل هو القادر على اجبار المخ على رد الفعل والاستجابة فيصبح بعدها الشخص قادرا على التفكير والتذكر والتخزين والشعور وادراك مصدر الخطر والإبتعاد عنه وكل مايكون للعقل من وظائف لهذا المخ وينسقها هذا العقل تنسيقاً صحيحا مع المخ والذي يظهر الإنسان عند غيره بالسوية في التصرفات، فليس كل من يحمل مخا برأسه عاقلاً ولكن كل عاقل له مخ يضبط فيه هذا العقل كل مايصدر عن هذا المخ .

لكن حينما تكون هذه القرارات ناقصة اي ليست صادرة من جميع خلايا المخ فيبدو الشخص لغيره بعشوائة التصرف وعدم شعوره بمدى الخطر الذي يحيط به وعدم قدرته على التخزين لما يصدر منه من افعال بشكلها الصحيح وهذا مايكون عليه الشخص المجنون أو المتخلف عقليا .

ولنذهب الى كيفية تخزين المعلومات الناتجة عن ردود الأفعال في المواقف ومايحدث فيها وكيف يتم ذلك من بداية الموقف وحتى تخزينه ونسخه على الأعضاء التي صدر منها الفعل الى تخزينها داخل ذاكرة المخ .

دائما مايتعرض الشخص لمواقف، هذه المواقف يحدث لها رد فعل من خلايا المخ والذي يصدر بإجماع خلاياه بعد اصدار اشارة من مجموعة من الأعصاب المتصلة بالعضو الذي تلقى الموقف ليصبح رد الفعل في صورة استجابة سريعة عبر قرار العقل المخي، هذه الإستجابة عبارة عن ثلاثة نسخ متطابقة تماما وصادرة جميعها في وقت واحد من جميع خلايا المخ ترسل منها نسختان سريعا إلى العضو لتخبره برد الفعل والإستجابة الأولى منها تبدو في صورة شعور بألم أو مايناسب ذلك الفعل على حسب ماكان منه فيضع الشخص يديه على مكان الجزء او العضو دليلا على تألمه، فكانت هذه النسخة منطوقها وترجمتها هو التعبير بفعل ظاهر يراه الجميع من الشخص، والنسخة الثانية المرسلة للعضو ايضا والمطابقة للأولى تبقى هذه مخزنة على خلاياه بعد رد الفعل، مطبوعة عليها الى ان يشاء الله فتظل صامتة لاأحد ينطقها الا الله حين ينكر اللسان مافعله العضو دفاعا عنه بكذبه لتصبح هذه النسخة لسانا ينطق بلغة لايعرف نطقها اللسان بمشيئة الله عز وجل .

والنسخة الثالثة وقبل أن تخزن في مخ الإنسان ترسل الى القلب أولا وفي نفس الوقت الذي صدر فيه من المخ النسختين السابقتين، فترسل هذه الثالثة للقلب ليطبع عليها برد فعله من شعور بالفرح والسعادة أو الحزن والوجع، ثم تعود سريعا إلى المخ لوحدة التخزين الداخلية للمعلومات .

ولكن هنا سؤال علينا أن نطرحه أولا
وهو، هل جميع المواقف تخزن سريعا في المخ ؟ وهل يقبلها المخ بمافيها من شدة ؟ وماذا يحدث من المخ تجاه المواقف المفاجئة والتي كانت نتيجة التعرض لحادث نفسي أو جسدي ؟

وللاجابة على هذه الأسئلة علينا أن نوضح بعض الأمور
ربما رأينا شخصاً تعرض لحادث تصادم فجأة، ربما كنا في زيارة له في فترة خضوعه للعلاج، لقد رأيناه وماكان منه من أفعال تترجمها الأعضاء التي أصيبت بالحادث وتضررت به ضررا مباشراً وهذه الأفعال هي النسخة الأولى التي خزنت على العضو فيرفع يديه وكأنه يشير لسائق الشاحنة التي صدمته لكي يتوقف، أو رافعاً قدمه التي اصدمت ناطقاً حينها لسانه بماقاله وكأنه مازال يواجه الحادث، فهذا المخ يعيد ارسال الاستجابه خارج غرفة الذاكرة لأنها لاتقبل التخزين بهذا الشكل ولمثل هذه المواقف الصعبة كماهي .

انها ذاكرة دائما ترغب في ان تعمل في لحظات تخزينها في هدوء، فتعيد النسخة المنتظرة الاذن والافصاح لها بقبول التخزين مرات ومرات حتى يتأقلم الشخص عليها بعد تقليل شدة الاستجابة تدريجيا، والتي تكون بتخفيف لهذه الشدة عبر اعطاء المصاب انواعا مناسبة من المهدئات التي تؤجل هذه الاستجابات المتكررة المتوالية على نفس الفعل لانها قد هدمت جميع معلومات التخزين ليعاد ترتيبها مرة آخرى فيما بعد بالطريقة الصحيحة المقبولة لدى الشخص .

ربما رأينا شخصا كان يود رفع قدمه لكي يريحها بوضع مناسب قبل ان يؤثر عليها وعلى الجزء السفلي لجسده حين كان خاضعا لمخدر نصفي لكن فجأة كان تأثير هذا المخدر على نصفه السفلي كاملا، ماذا كان للعضو حينها من نسخة سجلت ونسخت على خلايا من اشارة واستجابة وصلت اليه من المخ لرفع قدمه وإراحتها؟

هذه النسخة التي طبعت عليه بأفعال جاء دورها الآن، ان ماكان منها هو نطق فعلي للعضو لكن انقطع التواصل العصبي لتظل الأفعال تعبر عن نفسها كلما اراد الشخص ان يحرك قدمه ولايستطيع .

وهذا المجنون لماذا لم يحاسبه الله ؟
ذكرنا ان العقل هو قدرة خلايا المخ جميعا على الاستجابة واصدار القرار لهذه الاستجابة بالاجماع لتصدر نسخا ثلاث منها، لكن الشخص المجنون لم تكن لخلايا مخه القدرة على اتخاذ هذا القرار بالاجماع، فتصبح وظيفته ناقصة، حيث أن الاستجابة هي استجابة عشوائية صادرة من بعض خلايا المخ وليست كلها فكان استجابة ولم يكن عقل، فترى همجية التصرف، وخلو المخ من العقل القادر على التميز بين الصواب وغير الصواب، أفعال اعضاءه المخزنة ونسخها هي نسخ منطوقة دائما لايستطيع التحكم في ايقافها فان فعل شيء في الظلام نطق به في النور والظلام، وهذا لسانه دائما في ثرثرة لما كان منه من أفعال قبل ان يفقد عقله فهو يكررها بصفة مستمرة، لايدرك ماحوله من خطر يصيبه ولاتخزن في ذاكرته افعالا جديدة ولايشعر بفرح أو حزن، فكل مايشغله هو مايراه ويتلقاه ممن تراه عيناه من افعال قادمة اليها من غيره، فيكرر مايرى ويقلدها وماكان له من آخر المواقف في حياته .

فسبحان من جعل للاعضاء لساناً ينطق بماخزنت على خلايا من نسخ مطبوعة عليها وخزنت في ذاكرتها داخل عناصرها التي كانت مكوناً من مكونات لحمه وعظمه وجلده، وسبحان الله الذي جعل ماءًا يرى وجعل لحماً ينطق، وجعل ماءً يحمل معلومات وراثية تنقل عبر النسل، وسبحان الله الذي جعل لحماً تخزن عليه وتنسخ فوقه أفعال البشر لتنطق بالفعل بما كان منها حين يصمت الله اللسان لكذبه ظناً منه بأن مع هذا الكذب قد تكون النجاة، لتبرهن الأعضاء على كذبه بنطقها فسبحان الله الذي يجعلها تفصح وتبوح بما هو من فعلها، وسبحان الله العظيم .

أبواب  ببلادي مقفلةُ أبواب داري وأراها في زمن الرصاص دونما أبوابْ ببلادي تغيّرت  كلّ الأشياء حتى في مذاق الأطعمةِ وفي الشرابْ مأسور"  ف...