خاطِرَة:
اِنْبَلَجَ الصُّبْحُ الْمُنيرُ هَذا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِن شَهْرِ كانونِ الٌأّوَّلِ الّذي يُبَشِّرُنا بِقُدومِ عامٍ جَديدٍ مِنْ عُمْرِنا الْمُهْتَرِئِ .
ومعَ نَسائِمِ الْجَنُوبِ الْمِصْرِيَّةِ النّاعَمَةِ، فما أجْمَلَ شُرُفاتِ الْبُيوتِ الجَنْوبِيِّةِ هذهِ الأَيّامَ، وأنَتَ جالِسٌ تَنتَظِرُ قَهْوَةَ الصَّباحِ مُسْتَقٍبِلًا الْهَواءَ الْعَليلَ الطَّلْقَ بِمَسْحَتِهِ البارِدَةِ الْمُنْعِشَةِ لَلْقَلْبِ والرُّوحِ.
وَمَعَ أنَّنا في الشَهْرِ الْأَجْرَدِ المَعْروفِ بِشِتائِه الشَّديدِ إلّا الْأَمطارَ قَدْ حُبِسَتْ، وَلَمْ يَكُنِ الْوَسْمِيُّ وافِرًا حَتّى الْآنَ، نَتيجَةَ الِاعْتِلالِ الْجَوِّي، لا نكادُ نَشْعُرُ بِالْبَرْدِ، فَالْمُناخُ سَجْسَجٌ لا هُو بِالْحارِّ ولا الْبارِدِ. يَكْفي أنّ تَجْلِسَ في الشُّرْفَةِِ وَقّدْ أَنارَتِ الشمْسُ، وَأَرْسَلَتْ دِفْئَها، حَتّى تَمْسَحَ وَجْهَكَ نَسْمَةٌ رَقيقَةٌ بارِدَةٌ تُنْعِشُ الْقَلْبَ.
حَدثَ لي هذا صَباحَ اليَومِ وَأَنا جالِسٌ في الشُّرْفَةِ أنْعَمُ بِما وَصَفْتُ، فَتَذَكَّرْتُ أَبْياتًا غَزَلِيَّةً رَقيقَةَ كالنَّسِيمِ ا الْعَليلِ الّذي يُداعِبُنِي بِهَبّاتِهِ المتواتِرَةِ.
الأَبياتُ مِنْ بَحْرِ الرَّمَل. قالَها الشََاعِرُ الْغَزِلُ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ، وُلِدَ في مَكَّةَ سنَةَ (١٥ هج) ثُمَّ انتَقَلَ إلَى الْمَدِينَةِ، وكانَ مُعادِيًا لِلْخلفاءِ الأُمَوِيِّينَ مُناصِرًا لِلزُّبَيْرِيِّينَ، مُعْظَمُ شِعْرِهِ في التَّشْبيبِ والغَزَلِ الْحِسِّي، ماتَ سَنَةَ (٧٥هج).
يَقولُ:
حَبَّ ذاكَ الدََلُّ وَالْغَنَجُ
وَالَّتِي في عَيْنِها دَعَجُ
وَالَّتِي إنْ حَدَثَتْ كَذَبَتْ
وَالَّتِي في وَعْدِها خَلَجُ
وَالَّتِي في الْبَيْتِ صُورَتُها
مِثْلَما في البِيعَةِ السُّرُجُ
خَبِّرونِي هَلْ عَلَى رَجُلٍ
عاشِقِ، مِنْ قُبْلَةٍ، حَرَجُ
——————
الغَنّج: الرِّقَةُ في كلامِ المرأةِ.
الخَلَج: إخْلافُ الوَعْدِ.
البِيعَةُ: مَعْبَدُ النَّصارَى.
السُّرُج: جَمْعُ السِّراج.