samedi 22 mars 2025

التَّطَوُّرُ اللُّغَوِيُّ بِإِيجَازٍ:
تُثْبِتُ الدِّرَاسَاتُ بِأَدِلَّةٍ وَهْمِيَّةٍ أَوْ دُونَ دَلِيلٍ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ خَرَجَتْ مِنَ اللُّغَاتِ الْقَدِيمَةِ.
وَأَقُولُ: إِنَّ التَّطَوُّرَ اللُّغَوِيَّ دَحَضَ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَوْهَامِ الَّتِي سِيقَتْ عَنِ اشْتِقَاقِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ اللُّغَاتِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) ١٩٦ الشعراء؛ أَيْ كَانَتْ جَمِيعُ الصُّحُفِ وَالْكُتُبِ الـْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ تُرَتَّلُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا مَا فَهِمْنَاهُ مِنْ إِرْثِ أَحْكَامِ التَّرْتِيلِ أَنَّهُ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَصُحُفِهَا الـْمُكَرَّمَةِ الـْمَرْفُوعَةِ.
وَمَنْ قَالَ: "فِي الْعَرَبِيَّةِ أَلْفَاظٌ أَعْجَمِيَّة" فَقَدْ تَوَهَّمَ فِي دِرَاسَتِهِ لِأَنَّ التَّطَوُّرَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي تَـمُوتُ فِيهِ أَلْفَاظٌ مَعَ جُذُورِهَا الصَّرْفِيَّةِ وَتُـحْيَا أَلْفَاظٌ مَعَ جُذُورِهَا الصَّرْفِيَّةِ أَوِ انْتِقَالُ مَعْنى لِآخَر أَوِ اسْتِبْدَالُهُ بِمَعْنى آخَر فَكُلُّهُ خَيْرٌ قَالَ تَعَالَى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ١٠٦ البقرة؛ فَذَلِكَ يُسَمَّى بِالتَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ فِي لُغَتِنَا الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ أَيْضًا دَلِيْلٌ عَلَى تَوْقِيفِيَّةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ: (الْمَال، الْأَدَب، الـْحُبّ، الـْمُرَافَعَة).
الْمَالُ قَالَ تَعَالَى: (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، قال تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) ١٧٧ البقرة؛ هُنَا كَانَ الصَّدَقَةَ، قَالَ تَعَالَى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ) ١٩ الكهف؛ هُنَا كَانَ الْوَرقَةَ ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) ٢٠ المزمل؛ هُنَا كَانَ الزَّكَاةَ وَالْقَرْضَ، قَالَ تَعَالَى: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ٢٤ النساء؛ هُنَا كَانَ الْأَجْرَ، قَالَ تَعَالَى: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ٢٥ النساء؛ هُنَا كَانَ الـْمهرَ، وَالْمَالُ هُوَ الـْجِزْيَةُ وَالْعَقَارُ وَالِاسْتِثْمَارُ وَالْعقدُ وَالصّكُّ وَالصَّدَاقُ وَالْإِيجَارُ وَالتَّحْوِيلُ أَوِ الـْحوَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالرَّاتِبُ وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ وَالرِّبَا وهلم جرا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ يَكُون بَدِيلَ الْمَالِ. 
أَمَّا لَفْظَةُ أدب فَأَيْضًا كَانَتْ لَهَا الـْحصَّةُ فِي التَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ فَكَانَ الْأَدَبُ فِي الـْجَاهِلِيَّةِ هُوَ الشِّعْر وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْأَخْلَاقُ وَكَانَ فِي الْعَصْرِ الْعَبَّاسِيِّ هُوَ مَأْدُبَةُ الطَّعَامِ وَالتَّعْلِيم وَكَانَ فِي عَصْرِنَا كُلَّ مَا ذُكِرَ إِضَافَةً لِذَلِكَ هُوَ بَيْتُ الْأَدَبِ، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّنْوِيهِ هُنَا أَنَّ التَّطَوُّرَ اللُّغَوِيَّ هُوَ إِضَافَةُ الـْمَعْنَى الـْجَدِيدِ إِلَى الْقَدِيمِ وَتَلْعَبُ الْقَرِينَةُ اللَّفْظِيَّةُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا حِينَ التَّكَلُّمِ؛ فَنَقُولُ: تَعَلَّمْتُ الْأَدَبَ الْعَرَبِيَّ قَصَدْتُ بِذَلِكَ الشِّعْرَ، وَأَدَّبَنِي رَبِّي أَوْ أَدَّبَنِي فُلَانٌ قَصَدْتُ بِذَلِكَ الْأَخْلَاقَ، وَأَقُولُ: أَكَلْنَا عَلَى مَأْدُبَةِ الطَّعَامِ.

 أَمَّا الْأَلْفَاظُ الْأَعْجَمِيّةُ فِي لُغَتِنَا فَتَنْقَسِمُ لِقِسْمَينِ: قِسْمٌ نُسِيَ جَذْرُهُ وَبَقِيَ لَفْظُهُ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ نُسِيَتْ أَلْفَاظُهُ وَبَقِيَ جَذْرُهُ؛ وهلم جرا لِلْقِسْمَينِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَةِ. 
أَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي مَاتَتْ وَبَقِيَ لَفْظُهَا فِي طَيَّاتِ الذَّاكِرَةِ فَكَثِيرٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ وَمَنِ اسْتَعْمَلَهُ فَقَدِ اقْتَرَفَ خَطَأً فَادِحًا فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهَا مَا انْتَقَلَ مَعْنَاهُ الْقَدِيمُ لِلَفْظٍ آخَر، وَاسْتَبْدَلَهُ بِمَعْنى جَدِيد فَمَنِ اسْتَعْمَلَ مَعْنَاهُ الْقَدِيمَ فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى نَفْسِهِ التَّطَوُّرَ اللُّغَوِيَّ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ. 
وَمِنَ التَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا ضَمُّ مَعَانٍ أُخْرَى لِـمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ وَهُنَا حَلَّتِ الْوَقْفَةُ اللَّازِمَةُ فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِخْدَامِ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ لِيَتَبَيَّنَ مَعْنَاهُ فِيهَا. وَالْأَمْثِلَةُ هُنَا كَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَهرٍ جَارٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مُنْتَهَاهُ.
عِنْدَمَا تَهْبط اللُّغَةُ مِنْ مَنْزِلَةِ النَّاسِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ لُغَتَنَا تَطَوُّر عَظِيمٌ فَلَمْ يلحقْ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَرَصَانتهَا فَضَاعَ الـْمَعْنَى بَيْنَ طَيَّاتِهَا وَأَسَالِيبِهَا اللُّغَويَّةِ حَتَّى جَعَلَتِ النَّاسَ يَنْفِرُونَ مِنْهَا، فَهَذَا الْأَمْرُ أَصَابَنَا مِـمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنِ ابْتِعَادٍ وَنُفُورٍ وَخُلُوِّ النَّفْسِ مِنْ ذَائِقَتِهَا وَعنفوانِ شُمُوخِهَا. 
بَلْ وَالْأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ نَجِدُ لِـمَنْ لَا يَهْتَمّ بِلُغَتِنَا الرَّصِينَةِ لَا يُبَالِي بِاسْتِبْدَالِها، أَوِ الْعوض عَنْ بَعْضِ كَلِمَاتِهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ حَتْمًا مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْثِيرِ الثَّقَافَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ بَلْ لِـخُلُوِّ النَّفْسِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي اسْتُبْدِلَتْ مَعَانِيهَا أَوْ مَاتَتْ فَلَمْ يَبْقَ فِي نَفْسِهِ أَيُّ دَوْرٍ فِي اللّحَاقِ بِنُصُوصِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا وَكَذَلِكَ خُلُوّهَا مِنَ الذَّائِقَةِ.
النَّفْسُ كِيَانٌ مُسْتَقِلٌّ كَالْعَقْلِ، فَهِيَ جَدِيرَةٌ بِإِبْدَاعِهَا وَتَأَلُّقِ نُصُوصِهَا، فَهِيَ تَكْتَسِبُ وَتَبُوحُ فَالْكِتَابَةُ اكْتِسَابٌ وَالْقِرَاءَةُ اكْتِسَابٌ وَالْكَلَامُ اكْتِسَابٌ لَا يَتَدَخَّلُ الْعَقْلُ إِلَّا بِبَعْضِ الـْمَضَامِين الَّتِي تُتِيحُ لَهُ النَّفْسُ بِذَلِكَ، فَمَثَلًا نَجِدُ إِنْسَانًا يَتَحَدَّثُ عَنِ الشِّعْرِ فَذَلِكَ الـْحَدِيثُ كُلُّهُ مِنِ اكْتِسَابِ النَّفْسِ وَانْطِبَاعِهَا عَنِ الشِّعْرِ؛ أَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ يُصْلِحُ الـْخَلَلَ فَنَقُولُ تَدَارَكَ بِكَلَامِهِ مَا كَانَ مَـحْذُورًا مِنْهُ، أَوْ نَجِدهُ يَأْخُذ بُرْهَةً مِنَ الْوَقْتِ فَيَسْتَأْنِفُ الْكَلَامَ؛ فَابْتِدَائِيَّةُ الْكَلِمَاتِ كَانَ الْعَقْلُ قَدْ حَضَّرَ لَهُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، وَلَكِنْ هَلْ تَطَابَقَ مَا فِي الْعَقْلِ مِنْ دِرَاسَةٍ صَحِيحَةٍ أو خَاطِئَةٍ مَعَ مَا هُوَ مُكْتَسَبٌ مِنَ النَّفْسِ كَيْ لَا يَكُونَ الْكَلَامُ مُتَضَارِبًا أَوْ مُتَفَاوِتًا؟ وَالْإِنْسَانُ الْفَطنُ يَـحْذَر الْوُقُوع فِي الـْمَحْذُورِ فيحضر الكلامَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ كَيْ يُتِيحَ لِلْعَقْلِ وَالنَّفْسِ مَعًا الـْمُنَاقَشَةَ وَالتَّحْضِيرَ لِـمَقَالَةِ الشِّعْرِ.

            الباحث محمد عبد الكريم الدليمي

محمد علقم

ضمد جراحك .................. ضمـد جـراحــك وانهـض يـا فتى  وكـــن مستعـــدا للقـــاء الــــردى خيــــل الغــــزاة اليــــوم أقبلـــت تــريــ...