"كلما الهوا يعصف خبيزة تتلف"
آش كبرك يا خبيزة غير بصاق الكلاب
ومكفضة على سيقانك
بلا حشمة بلا صواب
بهبة ريح خفيفة تمايلي وترقصي
وتزيدي في التعواج والتلواز
حتى يتهرسك عودك
وتتمغط فوق التراب
بحالك بحال الهبيلة وشعشعت كولشي يطمع فيك
من بعد ما يقرب ليك
يهجرك بلا سباب..
شوفي وراق السدرة
صغار والشوك داير عليهم
بعفة وسترة
وحجاب
ترزني وحظي جلايلك
وما طمعيش فللي جا وجاب
راه لمسقي بالمسموم
محال يعيش..
يذبال يذبال..
كيف الحيط المبني بالمسوس
وخا تزيد تعلي فيه..
يمد راسو للترياب..
وخا تعياي يا خبيزة
تكبري وتطوال
لازم يوم يحشك منجل
ويعفك لحباب ولصحاب
وخا فوراقك منافع وكنوز
نفعك غاب...
مللي عاداوك بعفن فجذورك مركوز..
حتى صبحتي معيورة بالضر والسقام والتخراب...
وقنعي بالمكتاب
راه يسقيك الله بالندى
من تحت السحاب..
را كلامي ليك ..بلا تسوال
جواب..
يا ليحس بريحة الغاشي
قبل ما يدق الباب..
را السلامة سبقت الندامة
ودير ألف حساب وحساب..
را الزمان الصعاب
بقلم :
"شاعر وزانسيان"
عنوان الدراسة:
"الخُبيزة… حين يصير الهامش صوتًا ساخرًا وموجِعًا"
بقلم: ناقد متمرس في الشعر الشعبي والرمزي الأستاذ:
م.ر
في النص الشعري:
"الهوا يعصف وخبيزة تتلف"
نجد أنفسنا أمام خطاب شعري غزير الدلالة، يُعتمد فيه على الرمز الشعبي "الخُبيزة" كجسد نصيّ لامرأة، أو لكائن حي، مغلوبٍ على أمره، هشّ، لكنه ملتصق بالأرض، بالبساطة، وبالعيش القاسي.
1. الرمز والتجسيد:
الشاعر اختار "الخُبيزة" لا عشوائيًا، بل لأنها نبتة برية، معروفة في الثقافة الشعبية كبساطة نافعة، تنمو في الهامش، ولا تحتاج الكثير، لكنها أيضًا عرضة للدوس والتجاهل. هذا ما يمنحها قابلية رمزية لتمثيل "المرأة المهمشة"، أو حتى "الروح الساذجة" في مجتمع جاحد، ينهش قبل أن يمنح.
البيت الأول:
"آش كبرك يا خبيزة غير بصاق الكلاب"
يُدخلنا مباشرة في فظاظة الصورة، لكن خلف الفظاظة قسوة الواقع، فالنمو المشروط بالقبح، وبالإهانة، يكشف مأساة من لا يملك وسائل الدفاع، ولا أسوار تحميه.
2. الإيقاع الشعبي واللغة الدارجة:
النص ينبض بلغة دارجة خالية من التصنّع، لكنها محمّلة بأوزان داخلية تجعل منها قطعة غنائية لو أراد قارئها أن يُغنيها. كما أن استخدام المفردات الشعبية: "تمايلي، التلواز، يتعواج، يعفك، معيورة، فجذورك مركوز..." يكسب النص واقعية وخصوصية.
لكن ما يميز النص أيضًا هو هذه التلاعبات الإيقاعية بين الرقة الساخرة والحكمة القاسية.
3. المقارنة والمفارقة:
حين يقول:
"شوفي وراق السدرة، صغار والشوك داير عليهم، بعفة وسترة، وحجاب"
هنا تتجلّى المفارقة: الخُبيزة مكشوفة، بينما السدرة – رغم شوكها – محفوظة. وهذه مقارنة ذكية بين ما هو نافع لكنه عرضة للانتهاك، وما هو حاد لكنه محصّن. نقرأ من خلالها رسالة عميقة حول غياب "القيمة الحقيقية" في الميزان الاجتماعي.
4. البنية الدرامية والتحول التصاعدي:
النص لا يستقر في نغمة واحدة، بل يتصاعد من خطاب متهكم إلى خطاب تأملي، ثم إلى خطاب تحذيري/نبوي: "وخا تعياي يا خبيزة تكبري وتطوال
لازم يوم يحشك منجل
ويعفك لحباب ولصحاب"
هنا يظهر وعي بالمصير المحتوم، مهما طالت مقاومة الضعيف. فالمنجل قادم، والمجتمع لا يرحم، و"العفن" في الجذور يسري حتى يصير القدر معطوبًا.
5. نبرة الحكمة الشعبية:
الخاتمة تقول كل شيء:
"را السلامة سبقت الندامة
ودير ألف حساب وحساب..
را الزمان الصعاب"
وهنا يتحول النص من حالة إلى تعميم. من "الخبيزة" إلى كل من يشبهها. وهذا ما يمنح النص بعدًا إنسانيًا وشموليًا.
خلاصة نقدية:
نص "كلما الهوا يعصف وخبيزة تتلف" ليس فقط خطابًا شعريًا شعبويًا، بل هو مرآة ذكية تنعكس عليها مأساة الهامش، المرأة، الإنسان الطيب في زمن الانتهاك.
يبرع الشاعر الوزانسياني في ربط الصورة اليومية بالحكمة العميقة، ويستخدم الرمز النباتي ليعرّي واقعًا إنسانيًا بأبسط الأدوات، وأكثرها ألمًا.