mercredi 11 juin 2025

يوسف بلعابي

تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس 
نص الشاعر يوسف بلعابي يحمل نبرة حنينية عميقة تلامس وجدان المتلقي، وينتمي إلى أدب الرثاء الاجتماعي، حيث يرثي الشاعر زمناً مضى، ويقارن بين الماضي الأصيل والحاضر المتغير، فيستحضر تفاصيل علاقة الإنسان بمجتمعه، ومظاهر التآلف والود التي كانت تسود في الأمس، لتبدو صورة الحاضر باهتة، تملؤها القطيعة والجفاء.

منذ البيت الأول، يفتتح الشاعر قصيدته بجملة تقريرية: "بالأمس كان الحب شيمتنا"، فيؤسس عبر هذه العبارة نغمة الحنين إلى ماضٍ مثالي، يصوره باعتباره زمناً تتجلى فيه القيم الإنسانية في أبهى صورها، كالحب، والكرم، وصلة الرحم، والتكافل الاجتماعي. وتكرار الأفعال بصيغة الماضي ("كانوا"، "ربونا"، "علمونا") يؤكد انقطاع هذا الزمن وانقضاءه، ما يعمّق الإحساس بالخسارة والانفصال.

يمضي الشاعر في التصعيد الشعري عبر التدرج من وصف الناس الطيبين إلى تجسيد الطبيعة التي كانت تناغم هذا الجو الروحي، فالطير يغني في الروابي، وصوته "يحيينا"، دلالة على انسجام الإنسان مع محيطه الطبيعي، في صورة شاعرية تحمل دفء الذكريات وبساطة الحياة.

لكن التحول الدرامي في النص يبدأ مع "واليوم"، حيث تأتي المقارنة التي تبرز التباين المؤلم. يتغير الزمن، ويتغير الناس، ويغيب الوفاء، وتحلّ محله مشاعر الكراهية والنكران، في مفارقة حادة بين الأمس السعيد واليوم الموحش. يتجسد هذا التحول بلغوٍ صادم: "الهجر كأس مر"، "الفقد والفراق سكين حاد"، "نعيق البوم"، وكلها صور تعبّر عن الفقد، والوحشة، والموت الرمزي للقيم.

النص يقوم على ثنائية واضحة: الماضي/الحاضر، الألفة/القطيعة، الطير/البوم. وهذه الثنائيات لا تخدم فقط البنية الدلالية بل تمنح النص عمقه الوجداني والانفعالي، إذ لا يتحدث الشاعر عن الحنين بسطحية، بل يعيشه كتجربة فقد وجودي.

كما أن اختيار المفردات يتسم بالعفوية والرقة، فيتحدث الشاعر بلسان القلب لا بالتكلف، وهو ما يمنح النص صدقه وحرارته الإنسانية. هناك نبرة شجن متواصلة من أول القصيدة حتى آخرها، تكشف عن شاعر يرى أن انهيار القيم ليس فقط تحولاً اجتماعياً، بل جرح روحي عميق يصيب الكيان.

في الختام، يمكن القول إن يوسف بلعابي يقدم نصاً يحمل في طياته مشهداً بانورامياً متكاملاً من الحنين والخيبة، ويشكل مرآة لما يعانيه الإنسان المعاصر من اغتراب روحي واجتماعي، مستخدماً لغة بسيطة لكنها مكثفة في دلالاتها، وصوراً تمسّ القلب قبل العقل، ما يجعل النص شاهداً صادقاً على تحولات الواقع الإنساني وتراجعه الأخلاقي.

مع تحيات رئيس مجلس الادارة الشاعرة الأديبة غزلان حمدي

*********
*بالأمس كان الحب شيمتنا*

بالأمس كان الحب شيمتنا
وكانت الألفة والحمية تربطنا
وكانوا هنا أهل الوفاء يزوروننا
ما قطعوا وصلا وما جفوا رحما
وعلى الكرم والوداد والعطاء ربونا
وعلى أفعال الخير والتآزر علمونا
وعلى لم الشمل أوصونا

بالأمس كان الطير يشدو في روابينا
وأصواته العذبة تحيينا
وكنا نزهوا ونسعد بأماسينا
واليوم غاب أهل الوفاء ورحلوا
وراحت معهم وصاياهم وما علمونا
و صار الكره والنكران يمقتنا
والهجر كأس مر يبكينا
والفقد والفراق سكين حاد يدمينا
وبات نعيق البوم يؤرق ليالينا

يوسف بلعابي تونس

الكلمة الطيبة لا تموت 🖊 الأستاذ مرقص اقلاديوس

الكلمة الطيبة لا تموت ( رسالة نثر إيقاعية إبداع حر ) بقلم..مرقص إقلاديوس .............  في اثينا القديمة  حكموا على سقراط أن يشرب سماً. والم...