" كل نطق يبدأ من بياض، وكل بياض ينتظر من يفك شيفرة معانيه"
لم يكن على دراية بالحرف،
وكان نُطقه يتعثر
كالسير في منعرجاتٍ وعرة،
لا يُحسن حروف التنقيط،
كأنه حكيمٌ ضلّت خطاه في متاهة اللغة،
العبارات عنده معادلةٌ صعبة،
أو صفحةٌ من زمنٍ منسي.
وحدها الأم كانت تفكّ طلاسم قوله،
وفي عينيها بريقُ اعتزاز،
تراه فارسًا، وعالمًا، ونورَ العين.
فلما وُضع في يده قلمٌ من قصب،
مزّق البياض،
ثم ألقى القلم بعيدا
كما يُلقى الخوف لحظة الإعجاز،
وكما عصا موسى ...
حين تحوّلت الى دهشةً ورهبة ومجاز.
لم يكن جمرةً،
بل ثقلًا استعصى على القَبول.
حتى جاء الفقيه... فأصلح لسانه،
ورمّم الحروف بفكر العارف المتمكن،
فصارت قلادةً في جيد الأبجدية،
وارتسم بريقها بسمةً على وجه السطر الأول،
ثم تمدد الحبر حروفًا غنائية في فضاء البداية.