dimanche 17 août 2025

ج: 25 من روايـة : «صفحـة من دفـتر قديـم»
«حين يتريّـث الزمـن»
✍🏻 فاطمة لغباري

(الفصل 1 : على تخـوم الرحـيل)
 
ثمـة لحظـات يعجـز الزمـن عن عـبورهـا، كأنها جـمـر خـافت في أعمـاق الروح، يتربّص بهبّـة نسـيم ليُلهـبه من جـديد ...

               ––––––––––––––

في تلك الليلـة المنـذورة للرحـيل، كانت ربـى الجـنوب تلفـظ آخـر أنفـاس الربيـع، والمسـاء يهـب على القـرية كسـيل نـاعـم، يهمـس بوداع وشـيك، ويلـفّ المكان بهـالة من صمـت مهيـب.
تسللتُ من بين جـدران دار الضيـافة بخـطى خفـيفـة، أجـر قلـبي باتجـاه النبــع.
 
كان هنـاك، جـالسـا على الحـافة، يكتنفـه صمـت السـنديـان العـتيق، والريـح تعـبث بمـا تبـقى من هشيمـه الداخـلي. 
جلست بجـانبـه دون أن يلتفـت، وأصابعـه تنكـش التـراب بعـود يـابـس، كمـن يحـاول فـک شيفـرة التيـه المتجـذّر في أعمـاقـه.

وفجـأة، ارتـجّ صمـت اللـيل بصدى هديـل الحمـام، منسـابـا من أسطح البيـوت الطينيـة المتـراصـة على سفـح التلـة، كأنـه ينسج سيمفـونية خفـية للحـيـاة. 
كل هـديلـة تحمـل بين جنـاحيهـا أحـلامـا بعــيدة تلهـج بأسـرار الرحـيل.

رفـع رأسـه هـامسـا وعـينـاه تمخـران عـبـاب أفـق غـير مـرئـي :
— "فـاطمـة ! مـاذا لو حـملـنـا الأحـلام ورحـلنـا عند أول الفجـر؟
الدار البيضـاء تنتظـرني، والعمـل لا يحـتمل التـأجـيل."

ترنحـت كلمـاتي، فتوجهت بنظـري صوب هـدير النبــع القـريب، أبحـث في ضوضائـه عن منفـذ يخرجـني من دوامـة السـؤال.
لكن قـبل أن نتمـادى بالشـرود، انبثـق صوت مـرح من خلـف العـرائش :

— "لا ترحـلا ... العـرس سيجمـعنـا بعـد يومـين في سـاحـة الدوار، تحت ظلال السـنديـان."

كـانت 'تـاوسّـا' و'أمـنـاي' يقـتربـان، وفي وجـهـيهمـا بريـق احـتفـال مـؤجل.
تبـاطـأ الزمـن فجـأة، وكأن ابتسـامتهمـا وحـدهـا كانت كفـيلة بإرجـاء الرحـيل.

آنـذاك، لامست أنفــاسي نسمـة خفـيفة، تحمـل عبـق الوداع، وتعـيدني إلى ذكـريـات المكـان الذي لم يغـادرني يومــا.
       
ومع بـزوغ الفجـر، انفـض السكون عن القـرية، والدروب امـتلأت بخـطى الفـلاحـين. 
غـادرنـا على متـن عـربـة خشـبية قـديمـة تئـن تحـت وطـأة الحـصى، تشـق الضبـاب الكثيـف المتشبث بالمسـالك المتعـرجـة صوب البلـدة المجـاورة.

من بعــيد، بـدا السـوق الأسبـوعي كلوحـة نـابضـة بألـوان متداخلـة من الأقمشـة، وروائح التـراب الممـزوجـة بعـطر الزعـتر والبـن. 
كانت سيمفـونية بدائـية، تستنهـض الحـواس وتغمـرهـا بفـيض من ذكـريـات طفـولة بعـيدة.
 
توقـفنـا عند أكـوام الحـنّـاء، حيث تخـتبئ بشـائر الأعـراس القـروية، تغـمـر الأجـواء بلمسـات الفـرح والحـنين. شـدّني وشـاح أبيـض مرصّـع بخـيوط فضـية :
— "هذا لتـاوسّـا، يلـيق بصفـاء روحـهـا ورقـتهـا."

وبجـانبـه، خنجـر منقـوش برمـوز أمـازيغـية قـديمـة :

— "وهذا لأمنـاي، درع عـاشق لا يجـيد سـوى لغـة الحـب."

ثم التفـت إليّ سـائلا :
— "وأنتِ؟ أي هديـة تليـق بکِ؟"

كان ردي هـادئـا، مشـوبـا بالرجـاء :
— "أهـدني وعـدا ألا تكون عـابـرا."

ظل صمـته أعمـق من أي جـواب.

غـادرنـا السـوق بعـد برهـة، والقـرية تلـوح لنـا من بعــيد. 
ومـا إن بلغـنـا تَخـومـهـا، حتى استقـبلتنـا رائحـة العـود الزكـية متزامـنة مع أصداء الزغـاريد المتعـالية من كل حـدب وصوب.
حـينهـا فقط أدركـت أن كل نهـايـة مـا هي إلا بـداية، وأن البقــاء ليس سـوى وجـه آخـر للغـيـاب.

لكن السـؤال ظل يلـوح في أفـق الروح، كطـير مهاجـر يحـوم بين العـودة والرحـيل، يذكـرني بأن كل وداع يخـتزن وعـدا بمغـامـرة جـديدة. 

يتبــع ...

البرلمانية التقت بمجموعة صغيرة من المواطنين ألذين تقدموا بمطالب تخصهم فكانت كثيرة وبعضها بعيدة المنال لكن ما أعجبها هو  حرصهم على تنفيد مطال...