تعتيم الليل وشاح سميك يلف الأفق، يمحو الحدود بين الأرض والسماء. على حافته، يقف أيوب؛ ثوبه البالي مرقع بألوان الزمن، وشيبٌ عتيقٌ يزين جبينه كخريطة لدروب لا تنتهي. وجهه يختبئ خلف لحية سوداء كثيفة، مثل غابة لم تطأها قدم. ظهره ينحني تحت وطأة السنين.
يتناهى إلى سمعه همسٌ بعيد، يملأ الفراغ. فجأة، ينشق الليل، ويبزغ نور أثيري لم تره عيناه من قبل، مزيج من ذهب مصهور وحرير أبيض، يرقص في الأفق كشفق لم يولد بعد. في الوقت نفسه، يظهر سرب من طيور بيضاء، تنسج أجنحتها لحنًا من الهدوء، وتتجه نحوه في انتظام ساحر.
يمد الرجل يده ببطء شديد، وكأنها تمتد لتعانق النور والطيور. تستقيم قامته المنهكة للمرة الأولى منذ سنوات. في تلك اللحظة، تدفقت الحياة في أغصان روحه الشاحبة. وبينما النور ينساب عبر أصابعه، يشعر ببرودة غريبة. يده اليمنى كانت تمسك بقلبه الذي انسل منه بهدوء، بينما يده اليسرى كانت تحمل سكينًا مغروسًا في جسده، يقطر منه نور غريب.
لم يأتِ النور من الأفق، بل انبعث من نقطة الضعف الأشد ظلامًا في روحه.
حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي