samedi 2 août 2025

أ. د. لطْفي منصور

عندما يتألّم العقل 
 استراحة في بيادر الأدب المنصوريّ الخصيب

قراءة في تأمّليّة 
أ. د. لطْفي منصور
"رَدٌّ عَلَى عاذِلَةٍ":
بقلمي
نافلة مرزوق العامر
كتب مارد الضّاد العلّامة والمفكر الإسلامي التّقدّمي :
 Lotfy Mansour بروفيسور أماريتوس

قالَتْ: ما بالُكَ مُنْطَوٍ عَلَى نَفْسِكَ، لا أرَاكَ تَحْمِلُ قَلَمًا. حَتَّى الْكِتاب سَمِيرُكَ، وَأَقْرَبُ الْأَشْياءِ إلَيْكَ، لا أَراهُ عِدَّةَ أَيّامٍ بَيْنَ يَدَيْكَ. وَالْمَكْتَبَةُ لا تَزورُها إلّا لِمامًا، وَإنْ جَلَسْتَ فيها لا تُطِيلُ الْجُلُوسَ وّالنَّظَرَ كَعادَتِكَ الَّتِي نَعْهُدُها. قُلْ لِي: هَلْ شَيْءٌ صَدَرَ مِنّا - لا سَمَحَ اللهُ - أَزْعَجَكَ، حَتَّى الْمَقْهَى وَالْأَصْحابُ وَنَحْنُ لَسْنا فِي بالِكَ. 
أَحْسَسْتُ أَنَّ كَلِماتِها كَوَخْزِ الْإبَرِ. لَمْ أَدْرِ ما أُجِيبُ. صَحِيحٌ أَنِّي لا أُعاني مِنْ مَرَضٍ - وّالْحَمْدُ للهِ - وَلا أَحَدٌ مِنْ حَوْلي يُقْلِقُنِي، فَالْكُلُّ يَخْطُبُ وُدِّي وَرُضايَ، مَعَ أَنِِّي لَسْتُ بِحاجَةٍ لِخِدْمَةِ أَحَدٍ.
صَدَقَتْ عاذِلَتِي فِي قَوْلِها، فَإنِّي أُحِسُّ أَنَّ هُمُومَ الدُّنْيا أَحْمِلُها عَلى كاهِلِي. مِنْ فِكْرٍ داهَمَني، وَأَنا أَقْرَأُ مادَّةً أَعْشَقُها، هُوَ كِتابُ
"التَّعْلِيقاتُ وَالنَّوادِرُ" لِأَبي زَكَرِيّا الْهَجَرِي، مَنْ هَجَرَ بَلَدٍ فِي دَوْلَةِ الْبَحْرَيْنِ ، الْمَعْرُوفَةِ بِكَثْرَةِ تُمُورِها وَجَوْدَتِها، وَقالوا فيها الْمَثَلَ "كَمُسْتَبْضِعِ التَّمْرِ إلَى هَجَرَ، ساخِرِينَ مِنْ تامِرٍ ذَهَبَ يَبيعُ تُمُورَهُ في هَجَرَ .
عِنْدَما وَصَلْتُ فِي قِراءَتِي إلَى الْبَيْتَيْنِ : مِنَ الْكامِلِ
- لَوْ كُنْتَ حِينَ رَأَيْتَ حُسْنَ صَنِيعِي
وَرَأَيْتَ حُسْنَ تَجاوُزِي وَتَعَفُّفي
- جازَيْتَنِي بِجَزاءٍ ما أَوْلَيْتُكُمْ
وَحَمِدْتَ رَبَّكَ بِالنَّزِيعِ الْمُنْصِفِ
وَضَعْتُ الْكِتابَ جانِبًا، وَأَخَذْتُ أُفَكِّرُ فِي هذا الْعِتابِ الرّائِعِ الَّذي نَطَقَ بِهِ هذا الشّاعِرُ، وَكَشَفَ عَنْ صَنِيعِهِ لِآخَرِينَ، وَتَعَفُّفِهِ أَنْ يَأْخُذَ جَزاءً مُقابِلَهُ.
تَساءَلْتُ أَيْنَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ، أَيْنَ أَحْفادُهُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. ماذا حَدَثَ لِلْعَرَبِ. لِماذا يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. في كُلِّ دَوْلَةٍ وَمَكانٍ ، هَلْ فَسا عَلَيْهِمِ الضَّبُّ، كَما يَقُولُونَ فِي أَمْثالِهِمِ فَتَفَرَّقُوا أَحْزابًا وَشِيَعا، كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
تَنْتابُني أَفْكارٌ وَأَوْهامٌ. وَأَسْأَلُ نَفْسِي لِماذا أُمَّتُنا مُمَزَّقَةٌ مُنْهَكَةٌ
"يَتَقاتَلُونَ عَلَى بَقايا تَمْرَةٍ
فَخَناجِرٌ مَرْفُوعَةٌ وَحِرابُ"
"يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِها الْأُمَمُ"
أَقُولُها تَحَسُّرًا: إذا كانَ دِينُ الْإسْلامٍ بِفِرَقِهِ وَطَوائِفِهِ لا يُوَحِّدُنا فَما الَّذي يُوَحِّدُنا ؟ الْقَبْرُ؟
الشَّبابُ في كُلِّ بَلَدٍ هُمُ أَمَلُ الْأُمَمِ فِي نُهُوضِها، أَمَّا شَبَابُ أُمَّتِنا فَالنّارُ الْمُوقَدَةُ لا تُنْهِضُهُمْ.
يا عاذِلَتي أَخْشَى أَنْ يَطْغَى عَلَيَّ الْيَأسُ فَأَرْمِي قَلَمِي، وَأَنْزِعُ كِتابي لَأَنِّي كَما يَقُولُ نِزارُ:
"أَتَكَلَّمُ الْفُصْحَى أَمامَ عَشيرَتي
وَأُعِيدُ لَكِنْ ما هُناكَ جَوابُ"
قُمْتُ بِثَوْرَةٍ عَلَى نَفْسِي الَّتِي تكادُ الْأَوْهامُ وَالْهُمُومُ تَجْمَحُ بِها، وَحَوَّلْتُ يَراعي إلَى لِجامِ يَكْبَحُ طَيْشَها وَيُرْجِعَها إلَى حَظِيرَةِ "
الْكِتابَةِ حَتَّى يَسْقُطَ الْقَلَمُ مِنْ يَدِي، بِلا عَوْدَةٍ

هو "ردٌّ "كما ذكر أستاذنا في العنوان الذي وضعه لنصّه،بل ولعاذلة،أي لمحاوِرة متسائلة،فالموضوع سرد لحوار جرى بين الكاتب ورفيقة له،قد تكون خياليّة وقد تكون واقعيّة وفي كلتا الحالتين هي نائبة عن "سؤال" يراود كاتب السّطور،وما دام الكاتب قد تابع في وضع جواب لسؤال الحوار القصير،،في مونولوج استمرّ حتى نهاية النّص،يكون الكاتب قد أخذ على عاتقه مهمّة فكريّة في وضع إجابة لسؤال ،بل وضع إجابة عميقة مفحمة كان فيها 
ترقية لأفق الشّك والتّيه إلى أفق الحياة والوجود...
نصّ وجوديّ بامتياز، من نخاع الواقع، يطرح فيه الكاتب الفذّ سؤالا مركزيّا يلاحق البشريّة منذ الأزل حتى الأبد،وهو "من أنا
وماذا أفعل هنا؟
ما الكتاب؟ ولماذا عزفت عنه وعن مكتبتي وانطويت على نفسي؟.
هذا هو لسان حال الكاتب، الكاتب المفكّر الذي 
تألّم عقله من حال الأمّة،ونزف ألمه حبر فلسفة سطّرت فكرا وضع معنى للحياة بل معاني الوجود السّامي.
قال ديكارت فيلسوف العقل والحقيقة،بل مكتشف حقيقة لا ينكرها إنسان عاقل على الأرض هي"

"أنا أفكّر إذا أنا موجود"
"Cogito,ergo sum."
وأيّ حاضنة يترعرع الفكر والتّفكير فيها تكون أفضل من المكتبة ومن عقل العالم
?

وأيّ وسيلة توصلنا للحقيقة أفضل من السّؤال ،وبعده الإجابة إن 
 وجدت؟
"إذا فكاتبنا الجهبذ بذكائه الحادّ المستعر قد هيّأ لنصّه "الجوّ المناسب للبزوغ ، الذي ينمو فيه ومعه بانسجام 
وتوافق تامّ،نعم،لقد جعل أستاذنا من المكتبة والكتاب،ميدانا يأخذ العقل فيه حركته،ينفّس فيه عن ألمه ويمطر فيه حبر المعاني للوجود المستحقّ،حبر لولا علم ومعرفة وجهاد فكريّ وسفر في الكتب ما كان قد وصل لصفحاتنا.
هيّا بنا ننظر إلى ما كتبه أستاذنا،ردّا على سؤال تضمّن عتابا من صديقة مجهولة له، وهو"ما بالك منطو على نفسك
...ونحن لسنا في بالك"
لجأ الكاتب إلى مونولوج يجيب فيه عن هذا السّؤال قال فيه"أنّي "
أحسّ أنّ هموم الدّنيا أحملها على كاهلي،
وتابع وأرجو التّمعّن جيّدا فيما قاله""من فكر داهمني وأنا أقرأ مادّة أعشقها وهو كتاب"" ب"

فالهمّ من فكر
والعشق للفكر
،الله،
إنّ وجود كاتبنا في جوهره 
فكريّ عقلانيّ تزيّنه عاطفة راقية دافئة، محوره "الكتاب"،وحرفة كاتبنا ومعشوقته هي مادّة الكتب أي الكتابة والإبداع.
من هنا نرى أنّ كاتبنا هو مفكّر همّه أن يبدّد أوهام الكذب بيراع النّور.،كيف لا وهو يسخر من وضع أمّتنا التي تشرذمت كحبّات مسبحة فرطها الجهل والتّعصّب الذي نخر في عظام مكوّناتها فبدّل المجد ضياعا وصارت العروبة كما قال نزار "لعنة وعذاب"بل كما أورد كاتبنا"شباب النّار الموقدة لا تنهضهم"،رغم ما يمتلكه من دين وتاريخ وموارد ضنّ القدر بها على غيرها من الأمم.
عوامل من شأنها توحيدها لا تفريقها،تقويتها لا إضعافها.
يا لليأس والقنوط،يا للمرارة والألم!.
ونعود إلى الفكر المنصوريّ التّنويري،الفكر الذي يقدّس وظيفة العقل وأهميّته في صنع الحياة،فنجد أستاذنا يهبّ قائلا بأنّه لن يستسلم لليأس ولن يقبل الخنوع للانطواء والسّبات الفكريّ،بل سوف "يثور على نفسه"نعم
إنّها الثّورة"
لهيب الفكر المتّقد وأداة القلم المنتفض، ،الثّورة تلك الحركة المحييّة للوجود الكريم فيها نجاة للرّوح النّابضة بالعنفوان والخير والجمال.
ثورة القبض على يراع النّور ويد الإرادة وقلب الرّغبة العيش ،
وصنع الحياة، وهل هناك مهمّة أقدس من صنع وصون الحياة؟ 
والصّناعة ها هنا عند كاتبنا تولد من رحم التّفكير والكتابة الملهمة للأجيال.
فكاتبنا يقول لا لهجر الأقلام لا للعزوف عن القراءة والكتابة،بل هو العقل الكبير الذي يناقش الأفكار ويحرّك النّفوس هو الذي يمنح الوجود معناه،كما تمنح الرّوح الجسد أنفاسه.
 نصّ ساخر تهكّميّ ،استهلّه كاتبنا بسؤال وجوديّ كبير فيه طرح موضوعا يؤلم العقول ويعذّب الأرواح،وهو ما سبب ضياع الأمّة التي أهدت للبشريّة أعظم كتاب في الكون وهو القرآن الكريم.؟
نص ولد من نسغ أسلوبيّة متألّقة،طغى عليها اللّفظ الفخم linguistic grandeur
 والفكر الشّاهق،والأهمّ القلق الصّادق على مصير أمّة
كانت يوما تنصاع للعقل وصارت اليوم في سيرورة التّلاشي الفكريّ،،لولا،،،ثورة من أصحاب اليراع النّوراني،سوف تنجّيه، حتما ستنجّيه .
ويحضرني هنا نزار في بيت له من قصيدته الغرّاء " أنا يا صديقة متعب بعروبتي"(التي ذكر الكاتب أعلا بيتا منها )  
:يقول فيه

فلربّما تجد العروبة نفسها
ويضيء في قلب الظّلام شهاب.

هو شهاب فكركم
في 
انتفاضة ثورتكم.

دامت رسالتكم الثّائرة بأفكارها الملهمة والمؤثّرة خير إبداع في كتاب 
.حتما سيتربّع على رفّ المجد والخلود

من أكون يا من داعب في النوم جفوني وكنت في يقظتي وكل جنوني   أنا روحك تسافر عبر الأشواق  ترحل وتأتي في نظرات عيوني أنا مرآتك وظل قلبك والغيو...