samedi 6 septembre 2025

الكاتب صلاح الشتيوي

النجم الطارق: عندما يلتقي الوحي بالعلم الكوني

  الكاتب صلاح الشتيوي Écrivain Chtioui Slah 

في سكينة الليل وروحانيته، يتجه المسلمون إلى كتاب الله يتلون ويتدبرون. ومن بين الآيات التي تقف أمامها العقول مندهشة، آية في سورة الطارق يحلف فيها الخالق سبحانه بنجم إسمه "الطارق"، ليخبرنا عن حقيقة مذهلة في خلقه.
يقول تعالى: "وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ" (سورة الطارق: 1-3).

لكن ما هو هذا النجم الطارق؟ وما سر هذا القسم العظيم؟ إن التدبر في لغة القرآن والعلم الحديث يكشف لنا عن طبقات عميقة من الإعجاز.

أولاً: المعنى اللغوي والتفسيري

كلمة "الطارق" في اللغة مشتقة من الطرق، أي الدق بعنف. ويُطلق على الزائر الليلي الذي يدق الباب ليلاً. فالشيء "الطارق" يأتي ليلاً ويصدر صوتاً. أما "الثاقب" فمعناه النافذ الذي يثقب ويخترق بضوئه أو بقوته ظلمة الليل.

فسّر المفسرون الأوائل "الطارق" بشكل عام بالنجم الذي يظهر ليلاً، ويرون في وصفه بالثاقب إشارة إلى شدة ضيائه وإشراقه الذي يثقب الظلام. لكن التفسير لم يتوقف عند هذا الحد.

ثانياً: الاكتشاف العلمي والانزياح الدلالي

مع تقدم علوم الفلك والفيزياء الفلكية في القرن العشرين، اكتشف العلماء نوعاً جديداً من النجوم لم يكونوا يعرفونه من قبل، ألا وهو النجم النيوتروني (Neutron Star)، وتحديداً نوع يعرف باسم النجم النابض (Pulsar).

والنجم النابض هو نجم صغير جداً في حجمه (يبلغ قطره حوالي 20 كم فقط) ولكنه ذو كتلة هائلة (أكبر من كتلة شمسنا)، وهو ناتج عن انهيار نجم ضخم عند نهاية عمره في مستعر أعظم (سوبرنوفا). يتميز هذا النجم بخاصيتين عجيبتين:

1. الدوران السريع والمنتظم: يدور حول نفسه بسرعة مذهلة قد تصل إلى مئات الدورات في الثانية الواحدة.
2. إشعاع حزمي مركز: يبث حزمتين شديدتين من الإشعاع (كضوء منارة) من قطبه المغناطيسي.

وبسبب دورانه، فإن حزم الإشعاع هذه تُصطدم بالأرض بشكل منتظم ومتقطع، فترصدها التلسكوبات الراديوية على شكل نبضات (طقات) منتظمة تشبه تماماً صوت دقات القلب أو دق الباب. "طَقْ... طَقْ... طَقْ...".

ثالثاً: لقاء القرآن بالعلم

هنا يتجلى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بشكل مذهل:

· الطارق: إنه النجم الذي "يدق" على أبواب راصدينا على الأرض بإشارات راديوية منتظمة وكأنه طارق ليلي. إنه التوصيف الدقيق للنجم النابض.
· الثاقب: هذه النبضات ليست مجرد ضوء عادي، بل هي إشعاعات عالية الطاقة (أشعة سينية وأشعة غاما) لها قدرة هائلة على الاختراق ("الثقب"). فهي قادرة على اختراق مسافات هائلة في الكون تصل إلى آلاف السنين الضوئية لتصل إلينا. كما أن كثافة النجم النيوتروني نفسه مذهلة، حيث إن ملعقة صغيرة من مادته تزن مليارات الأطنان، فهي ثقابة بحق بكل ما تحمله الكلمة من معنى فيزيائي.

لم يكن بإمكان بشر قبل 1400 سنة أن يتخيل وجود نجم يدق مثل المطرقة، ويبث إشعاعات خارقة بهذه القوة. إن التطابق التام بين الصفة القرآنية "الطارق الثاقب" والوصف العلمي الحديث للنجم النابض لا يمكن تفسيره إلا بأنه وحي من عليم خبير، يعلم أسرار خلقه.

خاتمة: من الإعجاز العلمي إلى الإعجاز الغيبي

لم يقف القسم الإلهي بالطارق عند إثبات الإعجاز العلمي فحسب، بل إنه مقدمة لحقيقة غيبية أعظم، يقول تعالى بعدها: "إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ". فكما أن هذا النجم دائم في دقه منتظم في حركته لا يخطئ، فكذلك كل نفسٍ لها حافظ (أي ملك) يراقبها ويحفظ أعمالها بدقة وإتقان لا يخطئان.

فالنجم الطارق ليس مجرد ظاهرة فلكية عجيبة، بل هو آية كونية تشهد على إتقان الخالق ودقة صنعه، وتذكر الإنسان بأن وراء هذا الكون نظاماً محكماً، وأن هناك رقابة دقيقة على كل صغيرة وكبيرة، مما يدفع المرء إلى التأمل والتفكر والخوف من الله الذي خلق هذا النظام المذهل وأحاط بكل شيء علماً.

"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت: 53).

✨ الفضيلة والجحود بقلم: أديب الكلمة/ عبدالكريم قاسم حامد 9/9/2020 رذيلٌ ينكر اليدَ التي أحسنت إليه، وكريمٌ أقسم على نفسه أن يجودَ للمعروف دن...