lundi 1 septembre 2025

فضلات النهار // قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي

فضلات النهار

تمثّل فضلات النهار طقسًا شعريًا يتحوّل فيه الهامش إلى مركز.
الباب، المطر، الأريكة، البجعات، الشيطان… ليست مجرّد صور، بل إشارات إلى قلق عميق وأسئلة لا تهدأ.
النص لا يطلب خلاصًا، بل يبتسم ساخرًا في وجهه، ولا يقدّم يقينًا بقدر ما يراوغ بين العبث والحنين، بين الرغبة في الطمأنينة والاعتراف بأننا نعيش على بقايا الوقت، على ما يتساقط من نهاراتنا.


فضلات النهار
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – 14.07.2024 | نُقّحت 31.08.2025

أمشي فوق كثبان الرمال،
في مدنٍ كبرى، مرصوفةٍ بأحجارٍ سوداء
منتقاةٍ من بطن الأرض،
بعبثية الحوافّ الحادّة،
وأنا حافٍ القدمين، مغبرُّ الشعر.
تجرحني وأسمع صرخات الأصابع،
لا أبالي، فلي هدفٌ أن لا أتألم.
أتدلّى من ركبتيَّ بثقل الهواجس:
هل تركتُ الضوء في المطبخ؟
هل أغلقتُ حنفيّة الماء في الحمّام؟
سيسقط المطر على شرفتي المفتوحة،
يدخل رذاذُه، يستلقي على الأريكة العتيقة،
يسحق آخر بريق من لونها
ويأخذ عني راحتي في المتعة.
الذنب أنّني لا علم لي بقسوة المطر.

لستُ موجودًا لأعاقبَ باب الشرفة،
ذاك الذي يُدخِل نصفَ السماء،
ويتركني غارقًا في تساؤلاتٍ ثقيلة.
أتذكّره الآن، بعد منتصف الطريق
إلى حديقةٍ فيها بحيرة،
وقد وضعوا بها بجعًا مستوردًا من روسيا،
بقوا شهرًا كاملًا في صيام دائم،
وبعد الشهر،
وتحت المطر، خرجوا لوداع اليأس.

أشتاق إلى الباب،
فهو الوحيد الذي يجعلني أشعر
بأنني داخل الغرفة،
مفتوحًا أو مغلقًا
بحسب رغبتي في استهلاك فضلات النهار.
ولا أعلم كيف يمكنني إغلاق الباب
والاهتمام بالطريق.

تذكّرتُ أغنيةً قديمة،
من صناعة الشياطين،
لها وقعُها في زمن التمرّد على التناقض:
تقول كلماتُها:
“إن جاء الصيف قبل الشتاء،
فلا وقت للصلاة من أجل البقاء.
يدركنا الوقت،
والآن تدركنا الفصول
ونحن نلهو بهذا الغباء.”

لم يلحنها أحدٌ من أصحاب الرؤى العميقة،
لكننا نحفظ كلماتها
منذ أول خطوةٍ خطيرة
فوق كثبان الشقاء.
نتذكّر ذاك الشيطان وهو يكتب ويضحك،
كأنه يعلم أننا سنتبعه
لقتل الملل،
وكأننا ندور في قميصٍ حديديٍّ ثقيل،
نريد الحركة فيه،
لكننا عاجزون عن رفع الذراع
ونقل القدم.

مضيتُ مشتّتًا، حاقدًا على باب الشرفة،
تمنيتُ لو أعثر على شيطان
أرسله بأمانة
ليتفقد الباب ويطرد المطر.
لكن…
مستحيل أن نجد شيطانًا لديه الوقت
لنستأجره للخدمة الذاتيّة،
دون حقدٍ أو كراهية،
لا لبثّ الشؤم، ولا للمكيدة.

شيطانٌ طيّب…
هل كلّ الشياطين مجرمون؟

توقفتُ وقرأتُ من تعاويذ الشيطان،
جميعهم دون استثناء،
ولن أستطيع تجاوز الموروث
فقط لأنني مهمل،
والباب يسبّب لي قلقًا…
إنها وقاحة مني أن أفكر بالشياطين
لأطمئن.

وقفتُ مشدوهًا من الأفكار السلبيّة،
وغيّرتُ وجهة نظري
نحو مكوّنات الحديقة.

ألصقتُ صورةً كبيرةً لوجهي
على شجرةٍ شوكيّة،
كانت قد أضاعت جذورها تحت الرمال،
ولم تبحث عنها،
لسببٍ بسيط:
ما دام الماء يصل إلى ساقها
وتنمو أشواكها، فلا قلق.
لكن الماء وحده لا يكفي…
هو أيضًا يسبّب الأرق،
لا بدّ من ماعزٍ تقضي حاجتها
وتحكّ جلدها لينمو الشوك.

قالت لي:
“من سيراك مُثبَّتًا على أشواكي؟
هل تنتظر عاشقةً تبحث عنك؟
وهنا… قرب مسامير تحزّ الجلد؟
علّقها في الشارع،
أو في محطّة القطار،
ستراك العاشقات،
دون أن تُدمى منهنّ الأصابع والشفاه.”

اذهب الآن، بعد أن علمتَ مني
أن هناك شيئًا لا يُشترى ولا يُباع،
فتبّعه.
وإن عجزت…
عُد إليَّ لتنال العقاب.

قلت:
“المطر.
إنه المطر.
لا يُشترى ولا يُباع. دخل من باب الشرفة،
وأغرق الأريكة.
أنا مقتنع بالجواب…ولن أعود.
لكن… ما هو العقاب؟”

غضبت الشجرة الشوكيّة وقالت:
“سأندم معك،
حين تغفل عن نفسك…
ذاك الندم الذي غفلتَ عنه
وقت ضياع الجذور.
اذهب، وسلّم وجهك للوجوه الطيّبة،
إنك تستحق أن ترى نهوض الحياة.
أما البجعات، فما زلن يتأقلمن
مع الوجوه الزائرة،
ولن ينظرن إليك،
وباب الشرفة مفتوح.”

اذهب واشتري لي عشقًا لأبيعه لك.
أو صُم شهرًا مثل البجعات،
واخرج بأريكتك تحت المطر،
تدلّني على العشق، أدلّك على المطر،
حتى أشواكي ترفضك.

طاهر عرابي – دريسدن

شعرالحسن عباس مسعود

المولد النبويّ     🌺ا🌺ا🌺                               شعرالحسن عباس مسعود            🖊✏🖊✏🖊✏🖊✏ الــحُـسـن غــــرَّدَ والـجـمـال فـــر...