(امرأة واحدة تكفي)
اسمي كمال عبد الفتاح أبو سرحة. طبيعة عملي كمحامٍ تقتضي التعامل مع العديد من الناس، ولعل أكثرهم النساء، للمشاكل المختلفة التي تتعرض لها المرأة المصرية في بلادنا.
على الرغم من علاقاتي الكثيرة بالناس، لم أستطع إلى اليوم الوصول إلى علاقة واحدة أودعها كل ما لديّ من حسٍّ وشعور. وإن كنت لا أعرف أيهما أفضل: علاقة واحدة راسخة أم أن تكون لي علاقات كثيرة تربطني بالناس، فأسعد بذلك فيتوزع شعوري على كل من أعرف من الناس.
لكن العلاقات الكثيرة التي عرفتها في حياتي غالبًا ما كانت تذوب كالجليد في الوقت الذي كنت أظن أنها راسخة تمامًا. الأمر الذي جعلني أشعر أنه قد أصبح من المحال أن أصل إلى علاقة واحدة راسخة ثابتة تتربع على القمة في القلب.
وقد حاولت جاهدًا الحفاظ على علاقاتي بمختلف الناس، وبذلت غاية ما في وسعي حتى لا تتلاشى أي علاقة، ويتعلل أطرافها بمشاغل الحياة وهمومها.
ولنا أن نتساءل:
هل الإنسان عبدٌ للظروف أم أنه إذا توفرت النية الجادة قادر –إن شاء الله– على مواجهتها؟
من بين النساء اللاتي أتعامل معهن برزت (سارة)، التي ظنت أنها استطاعت احتوائي ببعض مشاعرها وهداياها وقصائد الشعر التي كانت تهديني إياها من وقت لآخر. ولم يخطر ببالها أنني لست الشخص الذي يقبل هذه العاطفة مهما بلغت وارتقت، ولن أكون أسيرًا لمشاعر أي امرأة، بل لأي إنسان مهما كان.
قالت لي سارة ذات يوم: "أنت الرجل الأول في حياتي، وأعتقد أنك أيضًا الآخر فيها، فلن يكون لي سواك أبدًا."
لها أن تقول ما تشاء، فقد تظن أني قد وقعت في الشباك الذي ألقت به حولي، فأصبحت أسيرًا لها. وغاب عن بالها أنه كلما اشتد القيد حولي، كلما ساورني القلق، فتزداد رغبتي في الفرار أشد من ذي قبل.
لعل إحساسي بالفراغ وراء البحث عن علاقة واحدة تتسم بالاستمرار والاستقرار تكفيني عن العالم كله، طالما أن العلاقات الكثيرة لا تستقر ولا تدوم أبدًا.
حدث أن سارة كانت معي في مكتبي ذات يوم، فدخلت علينا امرأة أعرفها هي الأخرى، تظن أن لها من المكانة في نفسي ما لم تصل إليه غيرها. وأول ما دخلت المكتب أعربت عن اشتياقها الشديد لأنها لم ترني منذ بضعة أيام.
فتغير وجه سارة، فلجأت إلى الصمت على مضض وضيق شديد. فقد كان الموقف في غاية الحرج. ولما انصرفت المرأة، راحت سارة تمطرني بالاستفسارات المتلاحقة عن هذه المرأة، وعن علاقتها بي... إلخ.
ولم أجد سوى أن أدافع عن نفسي ببراءة مصطنعة، فلم أعتد صدّ أي امرأة. فأخبرتها أنها ما قالت ذلك إلا لأنها تريد مني شيئًا يخص قضيتها عندي. وأوضحت لها أنه لا يتربع سواها على القمة، وإن طبيعة عملي تقتضي التعامل مع الناس جميعًا بما فيهم النساء.
كل هذه الأمور تزيدني همًّا وغمًّا. فقد أحسست أنني كالذي يحلق في السماء ولم يعد يقوى على الهبوط. ومهما تعددت العلاقات وزاد البحث عن ضالتي التي أنشدها، فهذا يعني المزيد من المعاناة.
فقط لا أريد من هذه الحياة إلا امرأة واحدة تكفيني عن العالم كله. شقيت في البحث عنها وكأنني أبحث عن شيء نادر الوجود.
جاءتني سارة مرة أخرى، وخشيت أن تأتي امرأة إلى مكتبي أثناء وجودها، فتكتشف أنني لم أكتفِ بها، وأنها ليست الوحيدة في حياتي كما تظن.
ولا أعرف متى أهبط إلى الأرض، ومتى ترسو سفينتي عند أي ميناء، فأستقر وتسكن ثورتي وتهدأ حيرتي..!
وبينما كان الأستاذ كمال غارقًا في تفكيره، إذ دخلت عليه امرأة فقالت له:
– حضرتك الأستاذ كمال...؟
عبد الفتاح حموده