غزّة... إلى أين؟
نصّ بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
غزّةُ...
يا شهقةَ الأرضِ حين تُطوَّقُ بالنيران،
يا جُرحًا يفيضُ من خاصرةِ البحر،
يا عروسًا مكللةً بالرماد ...
لكنها لا تفقدُ صَولجانَها في القلب...
***
غزّةُ...
كأنّكِ من صُلبِ الأسطورةِ وُلدتِ،
لتُعلّمي الأممَ أنَّ الجوعَ ...
لا يُطفئُ شهوةَ الحرية،
وأنَّ الحصارَ لا يُخرسُ النشيدَ ...
حين يرنّ في الحناجرِ كالأذانِ الأول...
***
أطفالُكِ...
يتقافزونَ بين الركامِ ...
كالعصافيرِ الجريحة،
يبحثونَ عن بقايا لعبةٍ،
أو عن ظلِّ نافذةٍ ...
تطلُّ على حياةٍ لم تأتِ بعد...
أمهاتُكِ...
يخبزنَ الألمَ على صفيحِ القصف،
ويُرضعنَ الصبرَ المالحَ ...
ليكبرَ في العروقِ حلمٌ لا يُقتل...
***
غزّةُ...
أنتِ الناهضةُ من تحتِ الركامِ ...
كأنّكِ شجرةُ زيتونٍ لا تموت،
كلّما اقتلعتها يدُ الغاصب ...
عادت لتنبتَ أعمقَ في الجذور...
***
غزّةُ...
لسْتِ مجرّدَ عنوانٍ لمأساةِ القرن،
أنتِ عنوانُ الكرامةِ كلّها،
ومقبرةُ الطغيانِ ...
التي ستلفظُ الغزاةَ ...
كما يلفظُ البحرُ الطحلبَ الميت...
***
لكنَّ المأساةَ تتفاقم...
أجسادٌ تتساقطُ تحت ركامِ البيوت،
قوافلُ نزوحٍ تبحثُ عن مأمنٍ لا وجودَ له،
وموائدُ خاويةٌ إلا من الدموع ...
بينما يظلُّ الحلُّ السياسيُّ غائبًا،
كشمسٍ محتجبةٍ ...
خلفَ غيومٍ من حديد،
تتواطأُ العواصمُ،
وتتعثرُ المفاوضاتُ ...
في دهاليزِ المصالحِ والخذلان ...
***
غزّةُ...
إلى أين...؟
إلى فجرٍ يتوضأُ من دموعكِ،
إلى شمسٍ لا تُخفيها الغيوم،
إلى وطنٍ ..
يولدُ من رحمِ جراحكِ ...
ليُعلّمَ العالمَ أن فلسطينَ،
فلسطينَ لا تُمحى،
ولا تُباعُ في أسواقِ الخيانة...
***
غزّةُ...
صرخةُ الأرضِ كلِّها:
إمّا حياةٌ تُليقُ بالشهداء،
وتسرُّ الأهلَ والأصدقاء،
وتغيظُ القتلةَ والأعداء،
وتفتحُ للدنيا ...
دربًا من حياةٍ لا تنطفئ....!
الرياض / الخميس
11/9/2025 م