كأنّ قلبي قد ضلّ الطريقَ في غابةِ الظلمات، تتناهشهُ أظافرُ الريح، وتغمرهُ سيولُ الرؤى المتكسّرة. رأيتُ روحي كزورقٍ تائهٍ في عُبابٍ لا يُطاق، والكونُ من حولي جدارٌ أخرس، لا يسمعُ أنيني، ولا يُجيبُ على أسئلتي المُشتعلة!
تداخلتِ الأشياءُ، فلم أعد أفرّق بين ظلِّ الحلم وشمسِ اليقظة، بين وجهِ أمي وملامحِ المنافي. كلُّ شيءٍ التحمَ في عاصفةٍ مجنونة، تدورُ بي كأنها لا تعرفُ الرحمة.
وضربتِ الأنواءُ نوافذَ قلبي، حتى تهشّم الزجاجُ، وتبعثرتْ أمانيي كرمادٍ على صدرِ ليلٍ لا ينتهي. آهٍ يا قدري، أما آن لكَ أن تُفرج عن عنقي؟! أما مللتَ اصطيادَ الأمنياتِ في مهدِها؟!
لكنّي، كزهرةِ الصباحِ التي تولدُ من بين شقوقِ الصخور، ما زلتُ أتنفّس. ما زلتُ أُغنّي — وإن كان صوتي موجوعًا — للحياة، للحب، للحرية، وإن كانت كلها أطيافًا تمرّ بي، ولا تقف!
....محمد الامين الجزائري...