يقطن حسن ذو العشر سنوات بين أحضان الذل والحرمان، يتوسد الأحجار ويتدفى ببقايا العلب الكارتونية.
يستيقظ كعادته باكرا باحثا عن لقمة عيشه. وهو بطريقه للسوق يلتقي ببعض ممن رمى بهم الزمن بأحضان الشارع، ينتشون بعضا من سيليسيون وينفخونه ببلاستيكات لتحلق بهم في اماكن مختلفة تنسيهم مرارة الواقع المعيش.
بعد ان انتشى حسن، أخذ يجر احلامه الباهتة الى السوق ليبيع بعض البلاستيكات للمتسوقين. واحيانا يجد يداه قد اختفت بين جيوب أحد الغافلين ليسرق دريهمات يدفئ به جيوبه الفارغة.
واحيانا أخرى تشتهي يداه فاكهة يخطفها للفكهاني الذي يلعنه ويلعن والديه على تقصيرهم في تربيته.
ذات يوم، قرر حسن ان يتجه الى مدينة طنجة محاولا ركوب الموج للهروب للضفة الأخرى. اختبأ تحت عجلة شاحنة كبيرة، بينما هو ينتظر تحرك الشاحنة حتى سرق النوم اجفانه وغطى في نوم عميق. ما ان استفاق حتى وجد نفسه داخل
غرفة بين مجموعة من الأطفال في سنه. سألهم : أين نحن؟ لا أحد يعلم ! ولا أحد قادر على الكلام.
تلعثمت ألسنتهم لجهلهم بما يدور حولهم. صمت يعم المكان.
مرت ساعات حتى سمعوا صدى خطوات تتجه نحو غرفتهم. وجوه متجهمة، براءة موؤدة وعيون خائفة.
- هل قمت بحسابهم؟
- نعم انهم 40 طفل سنهم يتراوح ما بين خمس واتنتا
عشر سنة.
- جيد سنقوم بتقسيمهم ،كل منكم يقم بمهمته دون
إثارة الانتباه.
حسن يتنصت على حديثهم، ليصاب بالرعب والخوف. في تلك اللحظة ، اخرج صورة كان يخبئها.انها صورة باهتة لوالدته.
أمسك حسن بالصورة الباهتة، وضغطها بين كفيه كأنه يريد أن يوقظ دفء أمه من تحت ركام الورق المهترئ. حاول خنق دموعه حتى لا يلفت انتباه الخاطفين. تذكر صوتها وهي تغني له قبل أن يختطفه الشارع، تذكر دعاءها، تذكر يديها وهما تعانقانه لتدفئته من وطأة البرد.
انتبه إلى همسات خافتة قربه، أحد الأطفال اقترب منه وهمس:
- نقدر نهرب… خاصنا غير شوية شجاعة.
توسعت عينا حسن، ونظر حوله. كانت الغرفة معتمة إلا من مصباح شاحب يتدلى من السقف. أصوات الخطوات تتباعد. تبادل مع الطفل نظرة حازمة، فهز رأسه بالموافقة. جمعا بعضهم البعض بالإيماءات، أربع أطفال فقط امتلكوا الجرأة على المجازفة.
اقترب حسن من النافذة الصغيرة ذات القضبان، تفحصها بأصابعه المرتعشة. تذكر قطعة حديد صغيرة كانت في جيبه منذ أيام عندما التقطها من السوق. أخرجها بصعوبة وبدأ يفك بها برغيا صدئا. كل ثانية تمر كانت كفيلة بفضحهم لو صدر صوت عال.
وأخيرا، تحرر أحد القضبان. انسل حسن بجسد النحيل أولًا، تلاه الآخرون واحدا تلو الآخر. وجدوا أنفسهم في ممر خلفي مظلم تفوح منه رائحة رطبة. سمعوا خطوات تقترب منهم ، فتسللوا كالظلال نحو باب جانبي.
ركضوا بين الأزقة القريبة، حفاة وأقدامهم تئن تحت وطأة الحجارة. كل خطوة كانت جريا نحو المجهول. توقف حسن يأخذ أنفاسه تحت عمود إنارة مكسور،
نظر حوله، رأى البحر بعيدا يلمع تحت ضوء القمر. البحر الذي كان يصبو للهروب عبره،أصبح اليوم شاهدا على هروبه من جحيم آخر. التفت إلى رفاقه الهاربين وقال:
- هيا… نكمل الطريق… الحياة تنتظرنا!
ومضى بخطاه الصغيرة نحو الميناء، بينما في صدره قلب يتيم…بينما كان يبحث عن عالم جميل ،صار يرغب فقط بالعودة سالما لعالمه.
"لكل قصة حكاية ولكل حكاية نهاية ،الا قصص الاطفال اليتامى، الذين ضاقو مرارة اليتم ،الذين شردتهم الظروف وقسى عليهم الزمن وغفلت عنهم الحكومات وتخلت عنهم الجمعيات. "