جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ:
الْجَمْرَةُ: الحَصاةُ الصَّغِيرَةُ، وَفي الْجَمْعِ نَقُولُ الْجَمَراتِ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَجِمارٌ جَمْعُ الْكَثْرّةِ.
مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ حَجَّ الْبَيْتِ الْحَرامِ هُوَ الرُّكْنُ الْخامِسُ مِنْ أَرْكانِ الْإسْلامِ. وَهُوَ الرُّكْنُ الْعَرَبِيُّ الْوَحِيدُ الَّذي دَخَلَ الْإسْلامَ،
فَالشَّهادَتانِ والصًَلاةُ والزَّكاةُ وّالصَّوْمُ لَمْ يَعِرِفْها الْعَرَبُ فِي الْجاهِلِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ كانُوا وَثَنِيِّينَ يَعْبُدًونَ آلِهَةً عِدَّةً لَها رُمُوزٌ هي الْأَصْنامُ. الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّنَمِ والْوَثَنِ أَنَّ الصَّنَمَ عَلى شّكْلِ الْإنْسانِ تَقْرِيبًا، أّمّا الْوّثّنُ فّلا رّأسَ لَه، وَلا يُشْبِهُ الْإنْسانَ.
عَرَفَتِ الْعَرَبُ فِي الْجاهِلِيَّةِ أرْبَعينَ صَنَمًا مُوَزَّعَةً فِي جَزيرَةِ الْعَرَبِ، تَجِدونَ ذِكْرَها فِي كِتابِ الْأَصْنامِ لِابْنِ الْكَلْبي.
الْعَرَبُ كانُوا يُقَدِّسُونَ الْأَصْنامَ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّها تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، وَهِيَ شَرِيكَةٌ لَهُ.
الْحَجُّ إلَى مَكَّةَ كانَ سائِدًا في جَزيرةِ الْعَرَبُ. كَانَ أَهْلُ أَمَكَّةَ يَدْعُونَ أَنْفُسَهُمْ الْحُمُسَ. فَهُمُ الطّاهِرُونَ حُماةُ الْحَرَمِ والْعَقِيدَةِ لا يَفيضُونَ منْ عَرَفَةَ إلَى الْبَيْتِ.
أَمّا سائِرُ الْعَرَبِ فَهُمُ الطُّلْسُ عَلَيْهِمُ الْإفاضّةُ مِنَ عَرَفَةَ إلَى الْبَيْتِ، وَيَطوفونَ عَراةً لِأَنَّ ثِيابَهُمْ نَجِسَةً يَخْلَعُونَها وَيُلٍقُونَها فِي حُجْرِ إسْماعيلَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الْمَكْشُوفِ مِنَ الْكَعْبَةِ.
كانَ الْمَكِيُّونَ يَأْخُذُونَ هَذِهِ الثِيابَ وَيَغْسِلُونَها لِتَطْهُرَ وَيبيعونَها لِلطُّلْسِ.
كُلُّ مَناسِكِ الْحَجِّ كانَتْ مَعْرُوفَةً في الْجاهِلِيَّةِ، عدا ما أَبْطَلَهُ النَّبِيُّ، وَأَلْغَى تَقْسيمَ الْحُمْسِ والطُّلْسِ، وَطوافَ الْعُراةِ، وَفَرَضَ عَلَى أَهالي مَكَّةَ الْإفاضَةَ مَنْ عَرَفاتِ كَسائِرِ الْعَرَبِ.
أَمّا رَمْيُ الْجَمَراتِ وَهُوَ أَصْعَبُ مَنْسَكٍ يَقُومُ بِهِ الْحاجُّ فَهُوَ لَيْسَ رُكْنًا لا دَخْلَ لَهُ فِي الْحَجِّ، بَلْ هُوَ مِنْ عاداتِ الْمُشْرِكِينَ الْبالِيَةِ. لَوْ رَأَيْتُمْ تَزاحُمَ الْحَجِيجِ الْهائِلِ لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، يَدُوسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لِرَمْيِ حَصاةٍ صَغيرَةٍ لِرَجْمِ إبْلِيسَ لَقُلْتُمْ لَيْسَ هّذا مِنَ الدِّين. أَيُّ إبْليسَ هذا؟ هَلْ يُقيمَ هُناكََ، لِماذا لا يَفِرُّ إلَى مَكانٍ آخَرَ.
إنَّها عادَةٌ جاهِلِيَّةٌ لَيْسَ لَها ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ .يَرمُونَ الْحَصاةَ الصَّغيرَةَ لِيَتَحَرَّرُوا مِنْ لِباسِ الْإحْرامِ، ولِيَحِلَّ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى النِّساءُ.
الْعَقَبَةٌ حِجارَةٌ تَعْتَرِضُ الطَّرِيقَ، تُجْتازُ بِصُعُوبَةٍ شَديدَةٍ. أَمّا هُنا فَلَها مَدْلُولٌ آخَرُ سَنُفَصِّلُهُ فيما يَأْتِي.
يَعُودُ رَجْمُ إبْلِيسَ أَوِ الشّْيْطانِ إلَى أُسْطُورَةٍ تَعُودُ إلَى أَيامِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامْ. عَنْدَما أَتَمَّ بِناءَ الْكَعْبَةِ وَقَفَ قُبالَةَ الْحَجَرِ وَنادَى فِي النَاسِ فِي أَرْجاءِ الْعالَمِ كُلِّهِ لِيَأْتُوا لِحَجِّ الْبَيْتِ. فَلَمّا نادَى الدَّعْوَةَ الْأُولَى اِعْتَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ لِيَكُونَ عَقَبَةً فِي وُصُولِ صَوتِهِ إلَى الْعالَمِ. عِنْدَئِذٍ نَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ لِإبْراهِيمَ : اِرْمِه! فَتَناوَلَ إبراهيمُ حَصَاةً وَرَماهُ بِها، فَقَفَزَ إبْلِيسُ مَسافَةَ رَمْيَةِ سَهْمٍ وَكانَتِ الْعَقَبَةَ الْأُولَى الْكُبْرَى. ثُمَّ تَبِعَتْها عَقَبَتَانِ اثْنَتان حَتَّى فَرَّ إبليسُ هارِبًا، وَأَكْمَلَ إبْراهِيمُ دَعْوَتَهُ لِلْعالَمِ أَجْمَعَ.
أَلَيْسَتْ هَذِهِ أُسْطورَةً بالِيَةً مِنْ أَساطيرِ الْعالَمِ الْقَديمِ. فَلِماذا نَتَمَسَّكُ بِها وَنَجْعَلُها شَعيرّةً مُهِمَّةً يَمُوتُ بِسَبَبِها كَثِيرٌ مِنَ الْبَشَرِ.
هُناكّ رِوايَةٌ أُخْرَى لِلرَّجْمِ وهيُ رَجْمُ قَبْرِ أَبي رُغالٍ مِنَ الطائِفِ الَّذي كانَ دَليلَ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ لَكِنْ مِنَ الصَّعْبِ إثْباتُها.