قَراءَةُ قِصَّةٍ قَصيرَةٍ..
"رِسالَةُ النَّصِّ الأَدَبِي..
وَ ضَمانُ وُصُولِهَـــــا"
تَمهيــــدٌ..
أولًا:- ثَمَّ قَولٌ مَفادُهُ (الإسْتثنَاءُ يُؤكِّدُ القَاعدَةَ)، وَ هَـٰـذا وَاردٌ جِدًّا في العُلومِ الإنْسانيَّةِ كَاللُّغةِ وَ الإجْتماعِ.
يُستَعمَلُ لِحِفظِ الإسْتثناءَاتِ الشَّاذَةِ ضِمنَ قاعِدَةٍ أشمَلُ، لَـٰكنْ لَيسَ مَبدَأً عِلميًّا. فَاتباعُ القاعدَةِ دائِميٌّ لا حيادَ عَنهُ، وَ إنْ حَصلَ استِثناءٌ، تَتحَوَّلُ القاعِدةُ إلـىٰ قاعِدةٍ أُخرَىٰ جَديدَةٍ، لِضمانِ اتِّخاذِ القَرارِ الصَّحيحِ. بَينمَا الحالَةُ الشَّاذَةُ تَنحرِفُ عَنِ القاعِدةِ،
وَ تَخرجُ عنْ عاداتٍ وَ تَقاليدٍ مُجتَمعيَّةٍ.
ثانيًا:- بيدوفيليا Pedophilia
أو بارافيليا Paraphilia مُصطلَحٌ يَعني العِشْقَ أو الإنْجذابَ الجِنسيَّ للأطفالِ (دونَ الثَّلاثِ عَشرَة سَنةٍ) بِصيغَةِ التَّحرُّشِ منْ ناسٍ كَبيرَةٍ في العُمرِــ مِنَ الرِّجالِ غالِبًا ــ مِمَّنْ هُم ضِمنُ دائِرَةِ الثِّقةِ (العائلَةُ، الأهلُ، أَصدقاءُ العائلةِ)، وَ سَببُ انتشارِ هَـٰذا السُّلوكِ هُو لِكَونهِ يُعَدُّ تَعاملٌ عاديٌّ، يقعُ الأطفالُ تَحتَ طائلَتهِ، فَيدفعُونَ الثَّمنَ باهِظًا.
قَرَاءَةُ النَّصِّ..
النَّصُّ: قِصةٌ قَصيرةٌ في أسفلِ المَقالَةِ.
العِنوانُ: بِيدُوفيليا، الإنْجذابُ الجِنسيُّ
الشَّاذُّ لِلأطفَالِ.
الكاتبَةُ: سُميَّة الإسماعيل/ سوريا
القَراءَةُ: صاحِب ساچِت /العِرَاق
تَقدِيـــــمٌ..
القِصَّةُ القَصيرَةُ مَجمُوعَةُ أَحداثٍ عنْ شَخصيَّةٍ وَاحدَةٍ أَو أَكثرُ، لَهَــا عَناصِرُ وَ مُكوِّناتٌ أَساسيٌّة، يَرويهَــا رَاوٍ بِحسبِ تَرتيبٍ زَمنيٍّ، بِصُورةٍ مُشوَّقةٍ،
وَ إسلُوبٍ يَعتمِدُ السَّردَ وَ الحِوارَ، تَتطوَّرُ لِتَصلَ إلـىٰ الذَّروَةِ، ثُمَّ التَّعقيدِ، فَالحَلِّ.
أَصلُ المَوضُوعِ:-
عَناصِرُ وَ مُكوُّناتُ القِصَّةِ..
أَوَّلًا: العِنوانُ بيدُوفيليا Pedophilia
مُصطَلحٌ لاتينيٌّ يَحمِلُ مَعنًىٰ طِبِّيَّـا نَفسِيًّـا شَامِلًا، يَدلُّ ــ عَلـىٰ العُمُومِ ــ الإنحِرافَ الجِنسِيَّ.
بَينمَا النَّصُّ الَّذي بَينَ أَيدينَـا، حَلَقَةٌ ضَيِّقَةٌ منْ سِلسلَةِ الإنحرَافِ، يُعْنَىٰ بِالتَّحرُّشِ الشَّاذِّ بِالأطفالِ دُونَ سِنِّ الثَّلاثَ عَشرَةَ.
مِنْ هُنَـا.. نُسَجِلُ نُقطَةَ ضَعفٍ في اِخْتيارِ العُنوانِ لِأمْرَينِ:-
أوَّلهُمَا.. كَونُهُ مُصطَلحٌ لاتِينيٌّ، غَريبٌ إلـىٰ حَدٍّ مَا، خاصٌّ بِالطِبِّ النَفسِيِّ.
وَ الآخَرُ.. جَاءَ عُنوانًا شامِلًا، مَعَ أنَّ العُنوانَ مِرْآةٌ لِلنَسيجِ النَّصِّي، وَ شَرَكٌ يَنْصبُهُ الكاتِبُ لِاقْتِناصِ المُتلَقِّي.
وَ هوَ أوَّلُ عَتَبَةٍ تُثِيرُ الإنْتباهَ وَ تَدعُو لِلقرَاءَةِ وَ التَأَمُّلِ وَ الإغرَاءِ، شَرطَ أنْ لا يَفضَحُ المُحتَوَىٰ.
وَ تَتَجلَّـىٰ أَهمِّيتُهُ في كَونِهِ وَاجِهَةٌ إعلاميَّةٌ، وَ مِفتاحٌ لِلتَعامُلِ معَ دَلالَةِ
وَ رَمزيَّةِ النَّصِّ.
ثَانيًا: مُلخَّصُ الفِكرَةِ
قِصَّةٌ قَصيرَةٌ تَدورُ فِكرتُهَـا حولَ خَفايا أُسريَّةٍ، قَلَّمَـا نَجِدُ مَنْ يَكتبُ عَنهَـا، ظَنًّا بِإنَّهَـا " سلُوكيَّاتٌ خاصَّةٌ "، تَحدِثُ خَلفَ أَبوابٍ مُوصِدَةٍ، لَهَـا حُرمَتُهَـا وَ تَقديرُهَـا.. لَيسَتْ ذاتَ أهمِّيةٍ لِلآخَرينَ.
مَضمُونُهَــا..
طِفلَةٌ تَعيشُ داخِلَ شَرنَقةِ أُسرَةٍ مُحافَظةٍ، مُلْزَمَةً أنْ تَسكُتَ عَلـىٰ مَا يَحصَلُ لَهَـا منْ مُضايَقاتٍ أَو إزعاجَاتٍ نَفسيَّةٍ أَو جَسديَّةٍ!
وَ إنْ تَكلَّمَتْ لا يُصدِّقُهَـا أَحَدٌ، بَلْ يَلومُهَـا وَ يُعنِّفُهَـا الجَّميعُ..
وَ يَلْقِمُوهَـا حَجَرًا.
لِانْشغالِ الأُمِّ بِإمُورِ البَيتِ، وَ إهمالِهَـا لِأطفالِهَـا، وَ لِضَعفِ الرَّقابَةِ وَ المتابَعَةِ.. تَقعُ هَـٰذهِ الطِّفلَةُ في حَبائلِ الجِدِّ، الَّذي يَتمادَىٰ بِالتَّحرُّشِ الجِنْسي بِحِجَّةِ المُلاطَفَةِ وَ التَّودُّدِ لِلصَغيرَةِ (بِنْتِ الإبْنِ) في أَثناءِ لِعبِهَـا وَ لَهوهَـا معَ أُختِهَـا بِالقُربِ مِنهُ.
وَ سِنَةٌ بَعدَ أُخرَىٰ تَكبَرُ.. وَ يَكبَرُ مَعهَـا الشُّعُورُ بِالتَّهديدِ وَ الخَوفِ وَ القَرَفِ، لا تَجْرُؤ أنْ تُخبِرَ أحدًا، لأنَّهَـا تُدرِكُ مَدَىٰ التَّقريعِ الَّذي تُلاقيهُ لَو تَكلَّمَتْ..
بِنفسِ شِدَّةِ المُعاناةِ.. عَجزَتْ بِدايَةً أنَ تَجِدَ تَفسيرًا لِذاكَ السُّلوكِ.
وَ تَحَصَّلَ لَهَـا مَعلُوماتٍ منْ صَديقاتِهَـا في المَدرسةِ، وَ منْ مَواقِعَ ألكترونيةٍ (مِمَّـا زادَ الطِّينَ بَلَّةً، وَ دَخلتْ مَتاهاتِ عَدمِ الفِهمِ وَ الخَوفِ وَ القلقِ وَ الضَّياعِ) * النَّصُّ.
وَ الأغرَبُ منْ ذٰلكَ.. الأهلُ يَدفعُونَهَـا إلـىٰ الإقترَابِ مِنَ الجِدِّ وَ تَقبيلِهِ!
يَلتَمِسُونَ لَهُ الأعذارَ، يَتسَتَّرونَ عَلـىٰ سُلوكِهِ الشَّاذِّ، بِزَعْمِهِم (إنَّهُ الخَرَفُ!)..
بَيْدَ أنَّ هَـٰذهِ الطِّفلَةَ كَسرَتْ قَيدَهَـا
وَ لَطَمَتْ جِدَّهَـا أمامَ أفرادِ العائِلةِ جَميعًا، وَ نالَتْ مِنهُمْ مَا لا تَستَحِقُّ
"كَمُتمِرِّدَةٍ عَاقَّةٍ!".
ثـالِثًا: مَتنُ النَّصِّ
تَوافَرَتْ لِلكاتِبَةِ عَناصرُ القِصَّةِ القَصيرةِ في بِناءٍ مُترابطٍ لِلنَسيجِ القَصَصي. وَ الفِكرَةُ جِزءٌ منَ الحَدثِ،
وَ جِزءٌ مِنَ الشَّخصيَّةِ، وَ منْ نَسيجِ اللُّغَةِ
وَ الزَّمانِ وَ المَكانِ.
*(١) الحَدَثُ:- قامَتِ القِصَّةُ علـىٰ سِلسلَةِ أحداثٍ، لَفَتتْ انْتباهَ القارِئ إليهَـا، جَعلَتهُ يَتتَبَّعُ بِشَغفٍ الصَّراعَ الدَّاخلي لَدَىٰ الطِّفلَةِ، وَ صراعَهَـا مَعَ مَصدرِ الخَطرِ، وَ معَ القيَمِ الإخلاقِيَّةِ الإجتماعيَّةِ، وَ بيانِ الدَّافعِ الأساسيِّ لِقيامِ مثلِ هٰكذَا قِصَّةٍ.
*(٢) الشَّخصياتُ:- أهمُّ العَناصرِ.. تَركزتْ علـىٰ شَخصيَّةِ (الطِّفلةِ) بَطلُ القِصَّةِ، بِحَيثُ دَفعتْهَـا الأحداثُ إلـىٰ صِراعٍ معَ شَخصيةِ (الجِدِّ) المُضادَّةِ.
وَ كِلا الشَّخصيَتينِ جامِدَتينِ، لَمْ يَطرَأْ تَغييرٌ عَلـىٰ البُنْيَةِ النَّفسيَّةِ أَو الإخلاقِيَّةِ لَهُمَـا. فَبَقيَتْ الطِّفلةُ عُنصرَ خَيرٍ مَظلُومةً، وَ بَقيَ الجِدُّ شِرِّيرًا مِنَ بِدايَةِ القِصَّةِ حَتَّىٰ نَهايَتِها، فَضلًا علـىٰ تَوْظيفِ عَناوينَ أُخرَىٰ لإتْمامِ أفعالِ الشَّخصيَتينِ الرَّأْسيَّتينِ كَالأُمِّ وَ الأُختِ وَ بَقيةِ أفرادِ الأُسرَةِ.
*(٣) الزَّمانُ:- إمْتَدَّ زمنُ الأحداثِ مُنذُ سِنيِّ الطُّفُولَةِ، حَتَّىٰ المُراهَقَةِ!
أَبدَعتِ الكاتبَةُ في تَحديدِ زَمنٍ واقعيٍّ، منْ خِلالِ التَّذكيرِ وَ التَّداعِي، وَ الإشارةِ إلـىٰ أنَّهُ زَمنٌ مَاضٍ، بَينَما الحَديثُ عنْ مُجرياتِهِ في الزَّمنِ الحاضِرِ.
*(٤) المَكانُ:- لا يَقِلُّ أهمِّيَةً عَنِ الزَّمانِ في نَسجِ أحداثِ القِصَّةِ، وَ هوَ رِقعَةٌ جغرَافيَّةٌ تَدورُ فيهِ الأحدَاثُ.. بَيتُ الإسرَةِ!
فَبيتُ الأُسرَةِ عِنصِرٌ مُشارِكٌ في الفِعلِ القَصَصي، قَدَّمَ جوًّا طَبيعيًّا عاشَ فيهِ المُتلقِّي معَ احتفاظِهِ بِالظرُوفِ البيئِيَّةِ وَ التَّقاليدِ.
*(٥) الحِبْكَةُ:- أيْ.. نُقطَةُ الذَّروَةِ، تَأزَّمَتْ فيهَـا الأحداثُ وَ تَعقَّدتْ، مِمَّـا رَفعَ مَنسُوبَ عُنصرِ التَّشويقِ لَدَىٰ المُتلقِّي.
فَفي هَـٰذا النصِّ حِبْكَةٌ ناجِحَةٌ، وَاجَهَ البَطَلُ ــ الطِّفلَةُ ــ فيهَـا اخْفاقَاتٍ وَ صعُوباتٍ جَمَّةٍ، لَـٰكنَّهَـا انتَصرَتْ عَليهَـا في الأخيرِ، عِندمَا كَسرتِ الطِّفلةُ القَيْدَ بِصفعَةٍ علـىٰ وَجْهِ الجِدِّ (وَسطَ دَهشَةِ كُلِّ مَنْ في البَيتِ)* النَّصُّ
وَ لا غَرْوَ في القَولِ.. إنَّهَـا صَفعَتِ المُجتَمعَ وَ الأسرَةَ، وَ قَطَعَتْ سَبَّابَةً تُرفَعُ في وَجهِهَـا، وَ كَفًّا تَطبِقُ علـىٰ فَمِهَـا، وَ هي تَصرَخُ في وُجُوهِ المُحيطينَ بِهَـا.
رَابعًا: رِسالَةُ القِصَّةِ
إبْداعُ النَّصِّ الأدبيِّ، مِثلُ غَيرِهِ، يَحملُ رِسالَةً بينَ ثَناياهُ، يَستَهدِفُ بِهَـا نَقدَ وَ تَقويمَ ثَقافَةِ مُجتَمعٍ، جَثَمَتْ علـىٰ وَعيِّ النَّاسِ رَدْحًا مِنَ الزَّمنِ،
وَ أكيدُ لا يَسلمُ هَـٰذا التَّقويمُ مِنَ المُعارَضةِ وَ المُجابَهةِ بِعنفٍ.
وَ قَديمًا قالَهَـا الفَيلسوفُ وَ الأديبَ (جان بول سارتر):- " الآخرُونَ هُمُ الجَّحيمُ!". وَ قَطعًا لا يَحتاجُ السُّؤالُ:-
مَا الَّذي يَجعلُ الآخرينَ جَحيمًا؟
فَثَمَّ أُناسٌ مِنْ خارِجِ إطارِ الذَّاتِ، يَتدخلُونَ في كُلِّ شَيءٍ، بِأفعالٍ سِلبيَّةٍ، لَهَـا تَأثيرٌ في تَوازنِ مَعاييرِ السُّلوكِ
وَ الأخلاقِ السَّائدَةِ.
وَ مِنْ بابٍ أَوْلَـىٰ.. أنْ يَشُقَّ الإنسانُ طَريقَ حَياتِهِ بِانْسجامِهِ وَ تَعايشِهِ معَ الآخرينَ، بُغْيَةَ إداءِ رِسالتِهِ في تَثبيتِ رَكائزِ الحَقِّ وَ الحَقيقَةِ، وَ هَدمِ الباطِلِ وَ أسالِيبِهِ.
أَخِيــــــــــــرًا
سَارَتِ القِصَّةُ في مَسارِهَـا الصَّحيحِ
وَ المَنطَقي.. الوَاضحِ، بِسياقٍ فنِّيٍّ وَاحد، وَضعَتْ بينَ يَدي المُتلَقِّي مَفاهيمَ كَبيرَةً وَ خَطيرةً!
تَرفعُ لُواءَ الإحتِجاجِ عَاليًا ضِدُّ الكَبتِ
وَ القَلقِ القَهرِي، وَ اسْتلابِ الحِريَّةِ الشَّخصيَّةِ، وَ تَدميرِ الذَّاتِ البَشريَّةِ.
تَرُومُ الإستاذَةُ الكاتِبَةُ في قِصَّتِهَـا تَوجيهُ نَقْدًا وَ لَومًا لاذِعًا لِكُلِّ ما يُخَرِّبُ كَيانَ الشَّخصيَّةِ، وَ تَحتَ أيِّةِ مُسمَّياتٍ.
أَمَا لُغةُ النَّصِّ حَمَلتِ الحِسَّ التَّربَويَّ المَسؤولَ بِأبْهَىٰ صُورِهِ، وَ بِتوجِهٍ إجتماعِيٍّ نَقدِيٍّ لِواقعٍ مُزْرِي، تَتَستَّرُ عَليهِ بَعضُ الأُسرِ، مُشْبَعٍ بِالإنحِرافاتِ وَ الرِّضَا عَنهَـا تَحتَ يَافِطَةِ (أُنصُرْ أخاكَ!)
وَ لِكَي لا نَغْمُطُ اسْتِحْقاقَ الكاتِبَةِ في امْتِلاكِهَـا أَدواتِ بِناءِ نَصٍّ رَصينٍ، حَيثُ قادَتْ دِفَّةَ/سَفينَةِ نَصِّهَـا، وَسطَ لُجَّةِ أَمواجِ/بَحرِ المُجتَمعِ المُتلاطِمَةِ، كَي تَصِلَ بِهَـا بَرَّ الأمانِ، وَ بِنجاحٍ يُشْهَدُ لَهُ، لِتَبليغِ رِسالةٍ غايَةً في الأهمِّيَةِ وَ الخُطورَةِ، بإسلُوبٍ سَلِسٍ وَ سَهلٍ، مُسْتساغٍ دُونَ تَعقيدٍ وَ لا تَلغيزٍ! بِلُغةٍ تُناسبُ عَرضَ المَوضُوعِ، وَ ذَوقَ المُتلقِّي.
عَظيمُ التَّقديرِ للإستاذَةِ الفَاضلةِ (سُميَّة الإسماعِيل) عَلـىٰ تُحفَةٍ إبدَاعيَّةٍ تُضافُ إلـىٰ سِجلٍّ حَافِلٍ بالإبداعاتِ الأدبيَّةِ المُتعدِّدَةِ، مِمَّا يَدعُونَا أنْ نُثْنِي عَليهَـا وَ عَلـىٰ إنْجازَاتِهَـا جَزيلَ الثَّناءِ..
معَ أَطيبِ التَّحيَّاتِ
( صاحِب ساچِت زغيِّر/ العِرَاق)
في أَدناهُ نَصُّ القِصَّةِ القَصيرَةِ..
" بيدوفيليا "
"لقد صفعته"، تتساءلون كيف فعلت ذلك؟ حسنًا أستطيع بكل ثقة الإجابة على سؤالكم هذا. لقد صفعت جدّي بيدي هذه، و صفعت معه عائلتي و مجتمعي و قفزت فوق حدود سبابةٍ تُرفع في وجهي، و كفٌ تطبق على فمي.
في التاسعة من عمري، أمارس لهوي الطفوليّ مع أختي التي تكبرني بعام في بيت جدي لأبي، البيت أمان، أو هكذا خيّل إلي. تنشغل أمي في أمور البيت عنّا، تبتعد خطاي، أدخل غرفة جدّي، أختبئ و أنتظرها كي تجدني، لكن من وجدني شخصٌ آخر.
احتضنني من الخلف، ظهري يلامس سرواله الداخلي الطويل، يغلق فمي كي لا أصرخ، يتلمسني، يؤلمني، همسه بدا كفحيح ٍ" تعالي، سأعطيك حلوى لذيذة"، يحاول أن يضع شيئًا في يدي ليغريني، أنفلت من بين يديه بأعجوبة، يحاول الإمساك بي مجددًا، ينزلق من بين يديه قميصي الناعم، أركض لألحق بأمي و أختفي تحت عباءتها، أرتجف خوفًا، ينعقد لساني، فعيناه المخيفتان، لأول مرّة أراهما بهذا القبح، تتابعاني طوال الوقت ، ترسلان إليّ إشارات التهديد فأنكفئ ملتحفةً بصمتي.
في البيت، منعني خوفي من أن أبوح بما حدث، انزويت، لكن المشهد ظلّ يطرق مخيلتي، و ظلّت يداه القذرة تلامسني و تمسح على جسدي فأرتجف من جديد. حاولت لاحقًا أن أجد لذاك السلوك تفسيرًا، رحت أبحث سرًا في المواقع الالكترونيّة لأنتهي كما يقولون إلى ما كان يزيد الطين بلّة. دخلت في متاهات عدم الفهم و أكثر ما زاد خوفي ما كنت أسمعه من قبل صديقاتي و معلماتي من ازدراءٍ و تجريمٍ لمرتادي هذه المواقع؛ بل سمعتهم يقولون إنّ" من يرتادها عليه التوبة"، كثيرًا ما تساءلت "هل أصبحت من هؤلاء؟". عشت قلقي و تفاقم ضياعي أكثر، إذ كيف لطفلة مثلي أن تعرف دون أن تنزلق أو تُعنّف!
بعيدًا عن حالة العجز التي دقّت أطنابها و انعدام الثقة التي فرضت أسوارها حولي كان إحساسي بالذنب يتعاظم، إذ لا شيء يمكن أن يُصلح ما حدث. بتّ أكره يوم اجتماع الأسرة في بيت جدّي، كثيرًا ما ادعيت المرض، لكنها طقوس العائلة، و لا مجال للتّهرب منها. لم أعد أقترب منه، بل كنت أرفض بعنادٍ ذلك خاصةً عندما كان والدي يطلب مني احتضانه أو تقبيله.
أنا الآن في الرابعة عشر من عمري، و جدّي العزيز- أقصد المتحرّش- يستمر بمضايقتي مشيرًا لي بحركاتٍ غريبةٍ بدأت أفهم معناها، متحيّنًا أيّ فرصةٍ لملامستي. يعتقدون أنه خرفٌ بسبب تقدّمه في العمر، يحاولون أن يجدوا له أعذارًا، إن اشتكى منه أحد الأحفاد، لكن ليس بعد، فقد فاض كيل احتمالي.
ذاك اليوم، عند انتهاء زيارتنا، انحنيت عند عتبة الباب لألبس حذائي، فإذا به يقترب مني، انحرفت جانبًا علّني أتجنّب التصاقه بي، باغتني بإمساكي من صدري، انتفضت، بل ثار جنوني، لم أشعر إلّا و يدي تنهال على وجهه المجعّد باللطم وسط دهشة كل من في البيت؛ أعمامي و زوجاتهم و أبناءهم. نلت من التقريع ما أظهرني المتمرّدة العاقّة التي تحتاج لإعادة تربية، بينما وقف هو كمسكينٍ يستجدي التعاطف. عندها صرخت في وجوههم جميعًا:
-ليس بخرِف، كفاكم تستّرًا، لقد أمسكني من هنا..
و أشرت إلى صدري.
( سمية الإسماعيل/ سورية )